مسألة [
المكروه هل يدخل تحت الأمر ؟ ] المكروه لا يدخل تحت الأمر المطلق عندنا ; لأن الأمر طلب واقتضاء ، والمكروه لا يكون مطلوبا ولا مقتضى ، فلا يدخل تحت الخطاب للتناقض . قال
إلكيا الطبري : إلا أن تكون الكراهة لمعنى في غير ما تعلق به لفظها
[ ص: 398 ] كما قيل في
تنكيس الوضوء : إنه مكروه ; لأنه يخالف عادة
السلف في هيئته لا في أصل الوضوء ، وهو إمرار الماء ، ولا في شرائطه فلم يمنع الإجزاء . والخلاف في هذه المسألة مع الحنفية ، قال
إمام الحرمين : وهذه المسألة مثلها الأئمة بالترتيب في الوضوء ، فمن يراه يقول : التنكيس مكروه ، ولا يدخل تحت مقتضى الأمر . وقال
ابن السمعاني : تظهر فائدة الخلاف في قوله تعالى : {
وليطوفوا بالبيت العتيق } فعندنا هذا لا يتناول الطواف بغير طهارة ، ولا المنكس ، وغيرهم يتناوله فإنهم ، وإن اعتقدوا كراهيته ذهبوا إلى أنه دخل في الأمر وأجزأ . قال : وهذا المقال إنما يتصور على أصلهم ، وأما عندنا فليس هو بطواف أصلا . ومن فوائد الخلاف أيضا :
الصلاة في الأوقات المكروهة إذا قلنا : إنها مكروهة كراهة تنزيه ، وفي صحتها تفريعا على هذا وجهان ، والقول بالبطلان وهو الأصح يخرج على أن المكروه لا يدخل تحت مطلق الأمر ، ومنها : مسألة
الصلاة في الدار المغصوبة التي سبق ذكرها ، واقتصر المتأخرون على ذكرها وأهملوا أصلها ، والعكس أولى ، ومنها :
إعادة صلاة الجنازة لا يصح في احتمال
إمام الحرمين ، وقواه
النووي ووجهه : أنها لا تستحب ، وقيل تكره ، ومع الكراهة لا تصح تخريجا على هذا الأصل .
ومنها : لو
نذر الإحرام من دويرة أهله . قال صاحب " التهذيب " : يلزمه ، ووافقه
النووي ، وخالفهما بعض المتأخرين ، وقال : ينبغي أن لا ينعقد لكونه مكروها ، ونظيره
الصوم يوم الشك تطوعا حرام ، ولو نذر صومه ففي انعقاده وجهان .
[ ص: 399 ] ومنها : حيث قلنا : للقاضي قبول الهدية ولم نحرمها ، والأكثرون على أنه يملكها ، وفيه وجه قوي أنه لا يملكها ، ثم صححوا أنها ترد إلى صاحبها ، والظاهر : أنها توضع في بيت المال ولا ترد إليه . واعلم أن جماعة من أصحابنا ذكروا المسألة هكذا ونصبوا الخلاف بيننا وبين الحنفية منهم
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق ،
وإمام الحرمين ،
وابن القشيري ،
وابن برهان ،
وابن السمعاني ،
وسليم الرازي في " التقريب " ،
nindex.php?page=showalam&ids=11927وأبو الوليد الباجي وغيرهم ، وفيه نظر فإن
شمس الأئمة السرخسي من الحنفية إنما حكى ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14330أبي بكر الرازي ، ثم قال : والصحيح عندي : أن مطلق الأمر كما يثبت صفة الجواز والحسن شرعا يثبت انتفاء صفة الكراهة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : اختار
ابن خويز منداد كونه لا يتناول المكروه ، وأشار إلى أنه مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وقال : وهو كمسألة الخلاف المشهور في تضمن الوجوب للجواز حتى إذا نسخ هل يبقى الجواز ؟
قلت : فيقال هنا : إذا نسخ الأمر هل يبقى المكروه أم لا ؟ يأتي فيه الخلاف السابق .