[ ص: 400 ] فصل في
خلاف الأولى هذا النوع أهمله الأصوليون ، وإنما ذكره الفقهاء وهو واسطة بين الكراهة والإباحة ، واختلفوا في أشياء كثيرة هل هو مكروه ، أو خلاف الأولى ؟ كالنفض والتنشيف في الوضوء وغيرهما . قال
إمام الحرمين في كتاب الشهادات من " النهاية " : التعرض للفصل بينهما مما أحدثه المتأخرون ، وفرقوا بينهما بأن ما ورد فيه نهي مقصود يقال فيه : مكروه وما لا فهو خلاف الأولى ، ولا يقال : مكروه ، وقال : المراد بالنهي المقصود أن يكون مصرحا به كقوله : لا تفعلوا كذا ، أو نهيتكم عن كذا ، بخلاف ما إذا أمر بمستحب فإن تركه لا يكون مكروها ، وإن كان الأمر بالشيء نهيا عن ضده ; لأنا استفدناه باللازم وليس بمقصود . وحكى
الرافعي عنه في كتاب الزكاة في كراهة الصلاة على غير الأنبياء ما يبين أن المراد بالنهي المقصود تعميم النهي لا خصوصه ، إذ قال : ووجهه
إمام الحرمين بأن قال : المكروه يتميز عن خلاف الأولى بأن يفرض فيه نهي مقصود ، وقد ثبت نهي مقصود عن التشبه بأهل البدع ، وإظهار شعارهم ، والصلاة على غير الأنبياء مما اشتهر
بالفئة الملقبة بالرفض . ا هـ .
وكلام
الإمام في كتاب الجمعة يقتضي أنه لا فرق بينهما ، فإنه قال : كل فعل مسنون صح الأمر به مقصودا فتركه مكروه . وقال في موضع آخر : إنما يقال : ترك الأولى إذا كان منضبطا كالضحى وقيام الليل ، وما لا تحديد له ولا ضابط من المندوبات لا يسمى تركه مكروها ، وإلا لكان الإنسان في كل وقت ملابسا للمكروهات الكثيرة من حيث إنه لم يقم فيصلي ركعتين ، أو يعود مريضا ونحوه . ا هـ . والتحقيق : أن
خلاف الأولى قسم من المكروه ، ودرجات المكروه تتفاوت كما في السنة ، ولا ينبغي أن يعد قسما آخر ، وإلا لكانت الأحكام ستة ، وهو خلاف المعروف ، أو كان خلاف الأولى خارجا عن الشريعة وليس كذلك .