[ ص: 75 ] مسألة [ في العلم ] . قال
أبو بكر النقاش سمي علما ; لأنه علامة يهتدي بها العالم إلى ما قد جهله الناس ، وهو كالعلم المنصوب بالطريق . واختلفوا في
العلم المنقسم إلى تصور خاص أو تصديق خاص ، وهما اللذان يوجبان لمن قام به تمييزا لا يحتمل النقيض . هل يحد أم لا يحد ؟ والقائلون بأنه لا يحد ومنهم
أبو الحسين البصري اختلفوا في توجيهه ، فقيل : لأن المنطقيين اشترطوا في الحد الجنس الأقرب ، وإن لم يوجد ذلك في العلم ، واشترطوا ذكر جميع الذاتيات كما يقال : عرضي لون سواد ، والأول جنس أقرب ، وفي العلم لا يقال : عرضي علم ، فلهذا لا يحد ، وقال الأصوليون : لأنه لم يوجد له عبارة دالة على حقيقته وماهيته فلا يحد ، وقال
أبو الحسين بن اللبان : ; لأنه أظهر الأشياء فلا معنى لحده بما هو أخفى منه حكاه بعض شراح اللمع " ، وحكي عن
ابن مجاهد الطائي أنه منع إطلاق الحد في العلم ، وإنما
[ ص: 76 ] يقال : حقيقة العلم كذا ; لأن الحقائق لا يختلف القديم والحادث بخلاف العلم .
قال : والذي ذكره أصحابنا إنما هو مجاز ، فأجروا الحد مجرى الاسم توسعا ، وقال
الرازي : ضروري إذ به تعرف الأشياء فلو عرف العلم لوجب أن يعرف بغيره لاستحالة تعريف الشيء بنفسه ، والغرض أن غيره متوقف عليه فيلزم الدور ، ثم قال في موضع آخر : هو حكم الذهن الجازم المطابق لموجب كما سبق في الضابط ، فكأنه قال بأنه ضروري ويحد وهذا تناقض .
فإن قيل : الذهني تعريفه تصديقي ، والمدعى معرفته تصوري فلا تناقض . قلنا : إن كان كذلك لكن التعريف للنسبة في التصديق تعريف لتصور ; لأن النسبة ليست تصديقا بل مقررة . وقال غيره : ضروري ولا يحد . وهو قضية نقل
ابن الحاجب عنه ، والموجود في المحصول " ما ذكرته أولا ، وقال
إمام الحرمين ،
والقشيري ،
والغزالي : يعسر تعريفه بالحد الحقيقي . وإنما يعرف بالتقسيم والمثال ، ثم يعرض في روم التوصل إليه إلى انتفاء الفرق بينه وبين أضداده
[ ص: 77 ] واعترض عليهم
الآمدي بأن القسمة المذكورة إن لم تكن مميزة له عما سواه فليست معرفة ، وإن كانت مميزة فذلك رسم . وهذا إنما يرد لو أحالا الرسم ، وهو غير ظاهر من كلامهم . والمختار : أنه يعرف بالحد الحقيقي كغيره ، فقال القدماء : هو معرفة المعلوم على ما هو به . .
وأورد بأنه تعريف الشيء بنفسه ، وبما لا يعرف إلا بعد معرفته ، وهو باطل ; لأن المعلوم مشتق من العلم ، ورتبة المشتق في المعرفة متأخرة عن رتبة المشتق منه ، وقد أخذ في تعريف العلم فيلزم ما ذكرنا . وأجيب بأنهم تجوزوا في المعلوم ، وقيل : إنه منقوض بعلم الله ، فإنه لا يسمى معرفة إجماعا كما قاله
الآمدي ، وبمعرفة المقلد إذ ليست علما ، وبأن فيه زيادة وهو قوله : على ما هو به : إذ المعرفة عندهم هي العلم ، والعلم إنما يكون مطابقا واحدا ، ولهذا قال
الإمام : لو اقتصر على قوله : معرفة ، لكفى . وقيل : ذكرت للإشعار بأنها من الصفات المتعلقة ، وللإشارة إلى نفي قول من يقول بوجود علم ولا معلوم ، وهم بعض
المعتزلة . واستحسن
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل قول بعضهم : إنه وجدان النفس الناطقة الأمور بحقائقها ، وهذا تعريف المجهول بمثله ، أو دونه ، فإن العلم أظهر من وجدان النفس أو مثله .
ثم هو غير جامع لخروج علم الله ، وغير مانع لوجدان المقلد ، وليس بعلم
[ ص: 78 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال الشاشي : إثبات الشيء على ما هو به ، وقال
ابن السمعاني : الأحسن أنه إدراك العلوم على ما هو به . والأولى كما قاله في التلخيص " : إنه معرفة العلوم فيشمل الموجود والمعدوم ، ولا نظر إلى الاشتقاق حتى يلزم الدور . قال : ولو قلت : ما يعلم به العلوم لكان أسد وقد أومأ
شيخنا أبو الحسن إلى أنه ما أوجب لمحله الاتصاف بكونه عالما ، وقيل : تبين المعلوم على ما هو به ، وقيل : هو المعرفة . ورد بأنه لا يقال لعلم الله : معرفة . ولا يقال له : عارف ، وحكى
الأستاذ أبو إسحاق في كتاب " شرح ترتيب المذهب " إجماع
المتكلمين على أن الله تعالى لا يسمى عارفا ، ودفع الاستدلال بحديث : {
تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة } بأنه لا يقطع به .
ونقل المقترح في شرح الإرشاد " عن
القاضي أنه سمي علم الله معرفة لهذا الحديث ، ثم ضعفه بأن الخطاب لم يسق لبيان العلم ، ولا أطلق لفظ المعرفة هاهنا عليه ، وإنما أراد ثمرة العلم وهو الإقبال في الإلطاف عليه ، ولهذا لا يسمى الباري عارفا . انتهى . وقيل المراد : المجازاة . وخرج عليه قول
nindex.php?page=showalam&ids=12831ابن الفارض :
قلبي يحدثني بأنك متلفي روحي فداك عرفت أم لم تعرف
.