[ التنبيه ] الثاني [ بناء المسألة على الاستطاعة مع الفعل ]
إن
إمام الحرمين وغيره ادعوا أن أصحابنا بنوا هذه المسألة على الاستطاعة مع الفعل . قال
أبو نصر بن القشيري : وهذه الدعوة غير سديدة ، وكيف تشيد وعند الأصحاب يمتنع تقدم القدرة على الفعل ؟ وصرحوا بجواز
تقدم الأمر على الفعل ، وقالوا : الفاعل قد يؤمر بالقيام بتحقق الأمر بالقيام في حالة القعود حتى اختلفوا . فقال الأكثرون :
الأمر الذي تعلق بالفعل قبل حدوثه أمر إيجاب . وقال الأقلون : أمر إعلام ، وإنما يتحقق الوجوب عند الحدوث ، فإذن ليس بناء هذه المسألة عند الأصحاب مسألة الاستطاعة . نعم
المعتزلة يبنون ويقولون : كما القدرة لا تتعلق بالموجود بزعمهم ، فالأمر لا يتعلق بالموجود ، ثم عول
الإمام بعد التسفيه في البناء على أن الأمر طلب واقتضاء ، والحاصل لا يطلب ولا يقتضى .
وهذا اعتساف ، لأن
القاضي قال : معنى قولنا : إن الفعل في حال الحدوث
[ ص: 166 ] مأمور به أنه طاعة ، فتعلق الأمر قبل الحدوث يتضمن اقتضاء وترغيبا ، وفي حال الحدوث يتضمن كونه طاعة ، وهذا مما لا ينكره عاقل ، فلا خلاف إذن . هذا كلام
ابن القشيري .
واعلم أن الخلاف في أن القدرة مع الفعل أو قبله لا يكاد يتحقق ، لأنه إن أريد بالقدرة سلامة الأعضاء والصحة فهي متقدمة على الفعل قطعا ، فإذا انضمت الداعية إليه صارت تلك القدرة مع هذه علة للفعل المعين ، ثم إن ذلك الفعل يجب وقوعه مع حصول ذلك المجموع ، لأن المؤثر التام لا يتخلف عند أثره . وإن أريد بها مجموع ما لا يتم الفعل إلا به فليست سابقة على الفعل لفقدان الداعية إذ ذاك .
[ التنبيه ] الثالث [ الخلاف لفظي ]
قيل : إن الخلاف في هذه المسألة لفظي ، ولا يتفرع عليه حكم قطعا ، فإنه لا خلاف بين المسلمين في أن المكلف مأمور بالإتيان بالفعل المأمور به قبل أن يشرع فيه ، ولا يخرج عن عهدة الأمر إلا بالامتثال ، ولا يحصل الامتثال إلا بالإتيان بالمأمور به .
ويلزم منه أن يكون التكليف متوجها إلى الفعل قبل المباشرة ، ولا ينقطع إلا بالفراغ عنه ، لأن الأمر بالذات يتعلق بمجموع المأمور به من حيث هو مجموع ، وتعلقه بالأجزاء إنما هو بالعرض ، فما لم يأت بمجموع المأمور به لا يكون ممتثلا ، وما لا يكون ممتثلا لا ينقطع عنه التكليف .