مسألة [ في
القراءة الشاذة ]
حقيقة الشاذ لغة : المنفرد . وفي الاصطلاح عكس المتواتر ، وقد سبق أن المتواتر قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة
العرب . قال
الشيخ أبو شامة : فمتى اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة . قال : وقد أشار إلى ذلك جماعة من الأئمة المتقدمين ونص عليه
أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني . ذكره شيخنا
أبو الحسن السخاوي في كتاب جمال القراء " .
[ ص: 220 ] ثم الكلام في مواضع :
أحدها : بالنسبة إلى المراد بها والمعروف أنها ما وراء السبع ، والصواب : ما وراء العشر ، وهي ثلاثة أخر :
يعقوب وخلف وأبو جعفر يزيد بن القعقاع ، فالقول بأن هذه الثلاثة غير متواترة ضعيف جدا ، وقد ذكر
البغوي في تفسيره " الإجماع على جواز القراءة بها .
وقال
القاضي أبو بكر بن العربي في العواصم : ضبط الأمر على سبع قراءات ليس له أصل في الشرع ، وقد جمع قوم ثماني قراءات ، وقوم عشرا ، أصل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ، قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62365أنزل القرآن على سبع أحرف } فظن قوم أنها سبع قراءات وهذا باطل ، وتيمن آخرون بهذا اللفظ فجمعوا سبع قراءات . وبعد أن ضبط الله الحروف والسور ، فلا مبالاة بهذه التكليفات . وسبق عنه أن قراءة
أبي جعفر ثابتة لا كلام فيها . ا هـ .
الثاني : بالنسبة إلى القراءة بها .
قال
الشيخ أبو الحسن السخاوي : ولا تجوز القراءة بشيء من الشواذ لخروجها عن إجماع المسلمين وعن الوجه الذي ثبت به القرآن ، وهو المتواتر وإن كان موافقا للعربية وخط المصحف ، لأنه جاء من طريق الآحاد ، إن كانت نقلته ثقات .
قال
أبو شامة : والشأن في الضبط ما تواتر من ذلك وما اجتمع عليه ، ونقل
الشاشي في المستظهري " عن
nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي الحسين أن
الصلاة بالقراءة الشاذة لا تصح ، وقال
النووي في فتاويه " : تحرم .
الثالث : في الاحتجاج بها في الأحكام وتنزيلها منزلة الخبر . اعلم أن
الآمدي نسب القول بأنها ليست بحجة إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وكذا ادعى
[ ص: 221 ] الإبياري في شرح البرهان " أنه المشهور من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب وكذلك
النووي ، فقال في شرح مسلم " مذهبنا : أن
القراءة الشاذة لا يحتج بها ، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن ، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، وإذا لم يثبت قرآنا لم يثبت خبرا ، والموقع لهم في ذلك دعوى
إمام الحرمين في البرهان " : أن ذلك ظاهر مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وتبعه
أبو نصر بن القشيري والغزالي في المنخول "
وإلكيا الطبري في التلويح " ،
وابن السمعاني في القواطع " وغيرهم ، فقال
إلكيا :
القراءة الشاذة مردودة لا يجوز إثباتها في المصحف ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء .
قال : وأما إيجاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة التتابع في صوم كفارة اليمين لأجل قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، فليس على تقدير أنه أثبت نظمه من القرآن ، ولكن أمكن أنه كان من القرآن في قديم الزمان ، ثم نسخت تلاوته ، فاندرس مشهور رسمه فنقل آحادا ، والحكم باق ، وهذا لا يستنكر في العرف .
قال :
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي لا يرد على
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة اشتراط التتابع على أحد القولين من هذه الجهة ، ولكنه يقول : لعل ما زاده
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود تفسيرا منه ، ومذهبا رآه ، فلا بعد في تقديره ، ولم يصرح بإسناده إلى القرآن . فإن قالوا : لا يجوز
ضم القرآن إلى غيره ، فكذلك لا يجوز ضم ما نسخت تلاوته إلى القرآن تلاوة . وهذا قد يدل من وجهة على بطلان نقل هذه القراءة عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، فإنا على أحد الوجهين نبعد قراءة ما ليس من القرآن مع القرآن .
وقال : والدليل القاطع على إبطال
نسبة القراءات الشاذة إلى القرآن أن
[ ص: 222 ] الاهتمام بالقرآن من الصحابة الذين بذلوا أرواحهم في إحياء معالم الدين يمنع تقدير دروسه وارتباط نقله بالآحاد .
قلت : وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14330أبو بكر الرازي في كتابه أنهم إنما عملوا بقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود لاستفاضتها وشهرتها عندهم في ذلك العصر ، وإن كان ، إنما نقلت إلينا الآن بطريق الآحاد ، لأن الناس تركوا القراءة بها ، واقتصروا على غيرها ، وكلامنا إنما هو في أصول القوم . ا هـ . وذكر
أبو زيد في الأسرار " وصاحب المبسوط " من الحنفية اشتراط الشهرة في القراءة عند
السلف ، ولهذا لم يعملوا بقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، " فعدة من أيام أخر متتابعة " لأنها قراءة شاذة غير مشهورة ، وبمثلها لا يثبت الزيادة على النص ، فأما قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فقد كانت مشهورة في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة حتى كان
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش يقرأ ختما على حرف
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وختما من مصحف
عثمان ، والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور . ا هـ .