مسألة [ الإتباع ]
من كلامهم الإتباع وهو أن
تتبع الكلمة الكلمة على وزنها أو رويها إتباعا وتوكيدا .
[ ص: 368 ]
قال
ابن فارس : وقد شارك
العجم العرب في هذا ، وهو يشبه أسماء المترادف من حيث إنهما اسمان وضعا لمسمى واحد ، ويشبه أسماء التوكيد من حيث إنها تفيد تقوية الأول غير أن التابع وحده لا يفيد ، بل شرط إفادته تقدم المتبوع عليه ، وصنف فيه
ابن خالويه كتابا سماه " الإتباع والألباب "
وأبو الطيب عبد الواحد اللغوي أيضا ،
وأبو الحسين بن فارس وغيرهم .
قيل : إنهما مترادفان والصحيح : المنع ، لأن التابع لا يدل على ما يدل عليه المتبوع إلا بتبعية الأول ، وإذا قطع عنه لا يدل على شيء أصلا . بخلاف المترادف ، فإن كل واحد منهما يدل على ما يدل عليه الآخر وحده . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : قلت
لأبي المكارم : ما قولكم في جامع تابع ؟ قال : إنما هو شيء نتد به كلامنا أي : نؤكد به .
قال بعض اللغويين : ولم يسمع الإتباع في أكثر من خمسة ، وهي قولهم : كثير بتير عمير برير بجير بدير ، وقيل : مجير بالميم ، فأما الاثنان والثلاثة فكثير . قالوا : حسن بسن مسن ، وجار بار حار .
وسمى
أبو الطيب كتابه " بالإتباع والتوكيد " قال : وإنما قرنا الإتباع بالتوكيد ، وإن كان كل إتباع توكيدا ، وكل توكيد إتباعا في المعنى ، لأن أهل اللغة اختلفوا فيهما ، فمنهم من جعلهما واحدا ، وأجاز أكثرهم الفرق ، فجعلوا الإتباع ما لا يدخل عليه الواو نحو قولهم : عطشان
[ ص: 369 ] نطشان ، وشيطان ليطان ، والتوكيد ما دخل عليه الواو نحو قولهم : هو في حل وبل ، وأخذ في كل حسن وسن .
قال : ونحن نذهب بتوفيق الله إلى أن إتباع ما لا يختص بمعنى يمكن إفراده ، والتوكيد ما اختص بمعنى وجاز إفراده به ، ويدل لهذا قولهم : هذا جائع فائع ، فهو عندهم إتباع ، ثم يقولون في الدعاء على الإنسان جوعا وبوعا ، فيدخلون الواو وهو مع ذلك إتباع ، إذ كان محالا أن تكون الكلمة مرة إتباعا ومرة غير إتباع ، فقد وضح أن الاعتبار ليس بالواو . ا هـ .
ومنهم من فرق بينهما بأن التابع شرطه أن يكون على زنة المتبوع بخلاف التوكيد . قاله
الآمدي وكأنه أخذه من الاستقراء ، فإنه لم ينقل إلا كذلك .
قال
الآمدي : التابع قد لا يفيد معنى أصلا ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد : سألت
أبا حاتم عن معنى قولهم : بسن في قولهم : حسن بسن ، فقال : لا أدري ما هو ، والتحقيق أن التابع يفيد التقوية ، فإن
العرب لم تضعه عبثا .
فإن قلت : فصار كالتأكيد ، لأنه أيضا إنما يفيد التقوية
قلت : التأكيد يفيد مع التقوية نفي احتمال المجاز .
وقال
ابن الدهان النحوي في " الغرة " : اختلف في الإتباع
[ ص: 370 ] فذهب الأكثرون إلى أنه في حكم التأكيد الأول ، لأنه غير مبني لمعنى في نفسه بنفسه كأكتع وأبصع مع أجمع ، فكما لا ينطق بأكتع بغير أجمع ، فكذا هذه الألفاظ مع ما قبلها ، ولهذا المعنى كررت بعض حروفها في مثل حسن بسن ، كما قيل : في أكتع وأبصع مع أجمع .
وزعم قوم أن التأكيد غير الإتباع ، واختلفوا في الفرق فقيل : الإتباع ما لم يحسن فيه واو العطف كقولك : حسن بسن ، والتأكيد يحسن ، فيه نحو حل وبل ، وقيل الإتباع يكون للكلمة ، ولا معنى لها غير التبعية . فلا يجوز على هذا أن يسمى تابع تابعا .
قلت : وقيل : التأكيد يدل على معنى في الجملة ، وهو تقوية مدلول اللفظ السابق كيف كان ، والتابع إنما يذكر بعد الاسم الأول .
وقال
الآمدي : إن التابع لم يوضع لمسمى في نفسه ، ويشهد لما نقله
ابن الدهان عن الأكثرين عن
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي من قولهم : هو شيء نتد به كلامنا ، أي : نقويه ، ولا معنى للتأكيد إلا هذا .
وقال
أبو عمرو محمد بن عبد الواحد في كتاب " فائت الجمهرة " : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد وثعلبا يقولان : الإتباع لا يكون بحرف النسق ، إنما الإتباع أن يقول : حل بل وشيطان ليطان فأما قول العباس :
[ ص: 371 ] لا أحلها لمغتسل ، وهي لشارب حل وبل ، أي حلال ومباح ، لأنه ليس كل حلال مباحا لأن أكل الرطب حلال ، وليس بمباح حتى يشتريه أو يستوهبه ا هـ وهذا فرق غريب .