[ ص: 136 ] الحد الحقيقي والحد الرسمي ] فنقول : الحاد لا يخلو إما أن يدعي أن هذا اللفظ ، وهو قولنا : إنسان موضوع للحيوان الناطق أو يدعي أن ذات الإنسان محكوم عليها بالحيوانية والناطقية ، أو يريد بقوله من الإنسان إنه حيوان ناطق الإشارة إلى هذه الماهية المتصورة من غير حكم عليها بنفي أو إثبات . فهذه ثلاثة أقسام ، فالأول والثاني ممنوع ; لأنه دعوى فلماذا لا يمنع ؟ ، وما الفرق بينه وبين سائر الدعاوى ؟ ; لأنه في إقامة الدليل على كل مقدمة يفتقر إلى مقدمتين أخريين ، وذلك لا يدور ولا يتسلسل ، بل ينتهي إلى مقدمة أولية ، أو قطعية وكذا هنا . قال : والذي يوضح ما ذكرنا إجماع النظار على النقض والمعارضة على الحد ، وما يتوجه عليه النقض والمعارضة يتوجه عليه المنع ; لأنهما متأخران في الرتبة عن المنع ، والقسم الثالث لا نزاع في أنه لا يمنع ; لأن المنع إنما يتوجه نحو الخبر ، ولا خبر هناك . ا هـ . وهذا ينظر لما سبق في طلب البرهان عليه ، ونقله الإجماع على توجيه المعارضة أخذه من كلام
الإمام السابق ، وليس كذلك . فقد منع بعضهم المعارضة فيه . قال : لأنها تشعر بصحة المعارض قبله ، فيلزم ثبوت حدين متباينين لمحدود واحد ، وهو محال ، والحق : أن المعارضة إن كانت في حد رسمي ، فلا نبطله . فإنه يجوز
[ ص: 137 ] فيه التعدد على ما سيأتي لتعدد اللوازم ، وإن كانت في الحد الحقيقي ، وقلنا ليس لشيء حدان ذاتيان ، فالمعارضة إبطال . وإن قلنا بجوازه فلا إبطال فيها . وأما الحد اللفظي فلا مدخل للمنع فيه ولا للمعارضة قطعا . وقال
الرشيد الحواري . إنما تدخله المعارضة بحد أرجح منه أو النقض ، كما لو قيل : حد الغصب إثبات اليد العادية على مال للغير ، وقال الخصم : بل إثبات اليد العادية مع إزالة اليد المحقة . فيقول : هذا يبطل بالغاصب من الغاصب ، فإنه لم يوجد إزالة يد المالك ، والغصب محقق .
قال : وقد يتكايس بعض الفقهاء ويقول : الحد لا يمنع بعدما ثبت كونه حدا ، ولكن لم قلت : إنما ذكرته حد ؟ وهذا لا وجه له ; لأن معنى قول القائل : الحد لا يمنع أي : ما يدعى كونه حدا لا يمنع ، وإلا كل ما صح كونه حدا فلا يمكن منعه ، ثم كل دعوى ادعاها الإنسان وصح أن الأمر كما يقوله ، فلا يمكن منعه ، فلا يختص هذا بالحد . .