صفحة جزء
[ ص: 170 ] النوع الخامس مفهوم العدد وهو تعليق الحكم بعدد مخصوص يدل على انتفاء الحكم فيما عدا ذلك العدد زائدا كان أو ناقصا ، كقوله : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا } ، وقوله تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة } وهو دليل مستعمل كالصفة سواء كما قال الشيخ أبو حامد ، وابن السمعاني . ونقله أبو حامد عن نص الشافعي ، وكذا القاضيان : أبو الطيب الطبري ، والماوردي في باب بيع الطعام قبل أن يستوفى ، وجرى عليه الإمام ، والغزالي ، وابن الصباغ في " العدة " ، وسليم . قال : وهو دليلنا في نصاب الزكاة ، والتحريم بخمس رضعات .

وقال ابن الرفعة في باب الجماعة من " المطلب " : إنه العمدة لنا في عدم تنقيص الأحجار في الاستنجاء عن الثلاثة ، والزيادة على ثلاثة أيام في خيار الشرط ، وتعجبت من النووي في قوله : إن مفهوم العدد باطل عند الأصوليين . قال : ولعله سبق الوهم إليه من اللقب ، ونقله أبو الخطاب الحنبلي عن منصوص أحمد . وبه قال مالك ، وداود . وقال آخرون : لا يدل ، وهو رأي منكري الصفة كالقاضي ، وإمام الحرمين . وقد قال به صاحب الهداية من الحنفية . فقال في قوله : { خمس [ ص: 171 ] فواسق ، يقتلن في الحل والحرم } : إنه يبقى غيرها بالعدد . وأجاب عن ( خمس رضعات ) بأنه إنما لم ينتف تحريم الرضعة ، لثبوته في إطلاق : { أرضعنكم } الصريح .

وقال أبو بكر الرازي : كنت أسمع كثيرا من مشايخنا يقولون في المخصوص : إنه حجة ، كقوله : ( خمس فواسق ) . وقوله : { أحلت لنا ميتتان ، ودمان } ، فدل على أن غيرهما من الميتة غير مباح . ولقيت محمد بن شجاع قد احتج به ، ولا أعرف جواب المتقدمين من أصحابنا عنه . قال : والقائلون بهذا فرقوا بين أن يصرح بالعدد كما ذكرنا فيكون حجة ، وبين أن لا يصرح به كقوله : { الذهب بالذهب مثلا بمثل } ، إلى آخر الأصناف الستة فلا يدل على أن ما عداه بخلافه ، لأنه لم يقل : إن الربا في الستة ، كما قيل : خمس يقتلهن المحرم . وقال الأستاذ أبو إسحاق : اختلف أصحاب أبي حنيفة في العدد إذا ورد مقرونا باللفظ ، فذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة ، ثم ناقضوا أصلهم في الزيادة على النص ، فجعلوه أقوى النصين ، ومنعوا من الزيادة عليه بالقياس ، كقوله تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة } وقالوا : إنه يدل على سقوط التغريب . وممن أنكر العدد الإمام الرازي بعد تفصيل سبقه إليه أبو الحسين في " المعتمد " ، ونبه عليه الآمدي أيضا . وحاصله أنه لا يدل ، فإنه قال : [ ص: 172 ] الحكم المقيد بعدد إن كان معلول ذلك العدد ثبت في الزائد لوجوده فيه كما في جلد مائة ، أو حكم بأن القلتين يدفعان حكم النجاسة وإلا يلزم كما أوجب مائة جلدة . والناقص عن ذلك العدد ، إن كان داخلا فيه وكان الحكم إيجابا أو إباحة ثبت فيه ، كما أوجب أو أباح جلد مائة ، وإن كان تحريما فلا يلزم . وإن لم يكن داخلا فيه ، كالحكم بشهادة شاهد واحد ، فإنه لا يدخل في الحكم بشهادة شاهدين ، فالتحريم قد ثبت فيه بطريق الأولى ، والإيجاب والإباحة لا يلزمان قال : فثبت أن قصر الحكم على العدد لا يدل على نفيه عما زاد أو نقص إلا بدليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية