الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      تنبيهات

                                                      الأول : محل الخلاف فيما لم يقصد به التكثير ، فأما المقصود به كالألف والسبعين ، وغيرهما ، فما جرى في لسان العرب للمبالغة ، فلا يدل بمجرده على التحديد . ذكره ابن فورك . وكلام الباقين في الجواب عن الحديث مصرح به ، واستثنى ابن الصباغ في " العدة " ما إذا كان في العدد تنبيه على ما زاد عليه ، كقوله : { إذا بلغ الماء قلتين } فإنه تنبيه على أن ما زاد عليهما أولى بأن لا يحمل .

                                                      الثاني : قال بعض المتأخرين : محل الخلاف إنما هو عند ذكر العدد نفسه ، كاثنين ، وثلاثة . أما المعدود فلا يكون مفهومه حجة ، كقوله : { أحلت لنا ميتتان ودمان } ، فلا يكون تحريم ميتة ثالثة مأخوذا من مفهوم العدد . لكن الناس يمثلون لمفهوم العدد بقوله : { إذا بلغ الماء قلتين } وليس كذلك ، لأنه ليس فيه اسم عدد ، والفرق أن العدد يشبه الصفة ، والمعدود [ ص: 173 ] يشبه اللقب ، ولا فرق فيه بين أن يكون واحدا أو مثنى ، ألا ترى أنك لو قلت : رجال ، لم يتوهم أن صيغة الجمع عدد ، ولا يفهم منها ما يفهم من التخصيص بالعدد ، فكذلك المثنى ، لأنه اسم موضوع لاثنين ، كما أن الرجال اسم موضوع لما زاد ، فمن ثم لم يكن قوله : ( ميتتان ودمان ) يدل على نفي حل ميتة ثالثة ، كما أنه لو قال : أحلت لنا ميتة ، لم يدل على عدم حل أخرى .

                                                      الثالث : أنه من أشهر حجج المثبتين أنه لما نزل قوله تعالى : { إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } قال النبي عليه السلام : { لأزيدن على السبعين } فعلم من الآية أن حكم ما زاد على السبعين بخلافه . وأجيب بأنه لعله قاله رجاء حصول المغفرة بناء على بقاء حكم الأصل ، فإن رجاءها كان ثابتا قبل نزول الآية ، لا لأنه فهمه من التقييد . وأجاب القاضي أبو بكر ، والإمام ، والغزالي ومن تابعهم بالطعن في الحديث ، وقالوا لم يصح ، وهذا غير مستقيم ، فإنه مخرج في الصحيحين ، لكن بلفظ سأزيد على السبعين . قال أبو بكر الرازي : فأما ما رواه أبو عبيد : لأزيدن على السبعين ، فهي رواية باطلة لا تصح ، ولا تجوز عليه ، فإنه يمتنع غفران ذنب الكافر ، وإنما المروي : لو علمت أن يغفر له إذا زدت على السبعين لزدت . قلت : هكذا رواه البخاري في باب الجنائز بلفظ : { لو علمت أني إن زدت على السبعين يغفر له ، لزدت عليها } . [ ص: 174 ]

                                                      وقال ابن فورك : لا معنى لتوهين الحديث ، لأنه قد صح ، وليس بمنكر استغفاره عليه السلام ، لأنها لا تستحيل عقلا ، والإجابة ممكنة . ولو خلينا وظاهر الآية لكان الزائد على السبعين يقتضي الغفران ; لكنه نزل بعده : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } . فدل ذلك على زوال حكم المفهوم ; فإن صلاته عليه السلام توجب المغفرة ، ولهذا امتنع من الصلاة على المدين .

                                                      وتلطف القاضي ابن المنير ، فقال : لعل القصد بالاستغفار التخفيف كما في دعائه لأبي طالب . وقوله : ( لأزيدن على السبعين ) أي أفعل ذلك لأثاب على الاستغفار ، فإنه عبادة . وقول الأصوليين : إن أسماء العدد نصوص ، ليس على إطلاقه ; بل هي نصوص دالة بقرائن الأحوال إذا قصد الكثرة ، كقولك : جئت ألف مرة . ومنه حثه عليه السلام على صوم عشر ذي الحجة ، وإنما هو تسعة أيام خاصة ، ولو نذر صوم هذه العشر لم يكن ناذرا صوم يوم العيد ، ولا عاصيا بهذا اللفظ إجماعا ، فدل على أن العشرة قد تطلق على التسعة تقريبا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية