قال
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبو بكر في التقريب " : فإن قيل : ما
حد الخبر ؟ قلنا : ما يصح أن يدخله الصدق أو الكذب ، وذكر أهل اللغة : أنه ما يصح أن يدخله الصدق والكذب ، وما قلنا أولى ; لأن من الأخبار ما لا يصح دخول الكذب فيه ، ومنها ما لا يصح دخول الصدق فيه ، ورده
إمام الحرمين أيضا ; لأن المجيء بالواو الجامعة يشعر بقبول الضدين ، والمحل لا يقبل إلا أحدهما ، لا هما معا ، فالمقتضي المجيء " بأو " وغلطه
القرافي ، وقال : بل المحل يقبل الضدين معا ، كما يقبل النقيضين معا ، وإنما المشروط بعدم هذا وقوع الآخر المقبول ، لا قبوله ، والمحال اجتماع المقبولين لا إجماع القبولين ، وهذا واجب ، والأول : مستحيل ، ولا يلزم من تنافي المقبولين تنافي القبولين .
ولهذا يقال : الممكن يقبل الوجود والعدم ، وهما
[ ص: 76 ] متناقضان ، والقبولان يجب اجتماعهما له لذاته ; لأنه لو وجد أحد القبولين دون الآخر لم يكن ممكنا ، فإنه لو لم يقبل الوجود كان مستحيلا ، ولو لم يقبل العدم كان واجبا ، فلا يتصور الإمكان إلا باجتماع القبولين ، وإن تنافي المقبولان ، وإنما أوقع
إمام الحرمين في ذلك التباس المقبولين بالقبولين
قلت : لم ينف
إمام الحرمين إلا المقبولين ، فإنه لم يتكلم في غيره ; لأنه لم يقل : إن الحد يستلزم اجتماع الصدق والكذب المقبولين ، وقيل : ما يحتمل التصديق والتكذيب ، والفرق بينهما أن الصدق والكذب يرجعان إلى نسبتين وإضافتين في نفس الأمر ، وهما المطابقة في الصدق ، وعدمها في الكذب ، والمطابقة والمخالفة نسبتان بين اللفظ ومدلوله ، وأما التصديق والتكذيب فيرجعان إلى الإخبار عنهما ، فقد يوجد التصديق والتكذيب مع الصدق والكذب عند موافقة الأخبار للواقع وبدونهما إن كان كذبا ، فقد يصدق وليس بصادق ، ويكذب وليس بكاذب ، فبينهما عموم وخصوص من وجه ، وهذا الحد سلم مما ورد على الأول من اجتماعهما في كل خبر ، وفي هذا رد على
السكاكي حيث قال : إن صاحب هذا الحد ما زاد على أن وسع الدائرة ، وأورد عليه أنهما نوعان للخبر لا يعرفان إلا به ، فلو عرف بهما لزم الدور .
وأجيب بمنع نوعيتهما ، بل هما صفتان عارضتان له على سبيل البدل ، كالحركة والسكون للإنسان .