القول في الملك وفيه مسائل . الأولى : في تفسيره قال
ابن السبكي : هو حكم شرعي يقدر في عين أو منفعة . يقتضي تمكن من ينسب إليه ، من انتفاعه ، والعوض عنه من حيث هو كذلك ، فقولنا " حكم شرعي " ; لأنه يتبع الأسباب الشرعية .
وقولنا " يقدر " ; لأنه يرجع إلى تعلق إذن الشرع ، والتعلق عدمي ، ليس وصفا حقيقيا بل يقدر في العين أو المنفعة ، عند تحقق الأسباب المفيدة للملك وقولنا ( في عين ، أو منفعة ) لأن المنافع تملك كالأعيان وقولنا " يقتضي انتفاعه " يخرج تصرف القضاة ، والأوصياء ، فإنه في أعيان أو منافع لا يقتضي انتفاعهم ولأنهم لا يتصرفون لانتفاع أنفسهم ، بل لانتفاع المالكين . وقولنا " والعوض عنه " يخرج الإباحات في الضيافات ، فإن الضيافة مأذون فيها ، ولا تملك . ويخرج أيضا : الاختصاص بالمساجد ، والربط ; ومقاعد الأسواق ; إذ لا ملك فيها مع التمكن من التصرف .
وقولنا " من حيث هو كذلك " إشارة إلى أنه قد يتخلف لمانع لعرض ، كالمحجور عليهم ، لهم الملك وليس لهم التمكن من التصرف ، لأمر خارجي .
[ ص: 317 ] الثانية قال في الكفاية :
أسباب التملك ثمانية : المعاوضات . والميراث . والهبات . والوصايا . والوقف . والغنيمة . والإحياء . والصدقات . قال
ابن السبكي : وبقيت أسباب أخر . منها ، تملك اللقطة بشرطه . ومنها : دية القتيل ، يملكها أولا ، ثم تنقل لورثته ، على الأصح . ومنها : الجنين . الأصح : أنه يملك الغرة . ومنها :
خلط الغاصب المغصوب بماله ، أو بمال آخر لا يتميز ، فإنه يوجب ملكه إياه . ومنها : الصحيح : أن الضيف يملك ما يأكله .
وهل يملك بالوضع بين يديه ، أو في الفم أو بالأخذ ، أو بالازدراد يتبين حصول الملك قبيله ؟ أوجه ومنها : الوضع بين يدي الزوج المخالع على الإعطاء ومنها : ما ذكره
الجرجاني في المعاياة : أن
السابي إذا وطئ المسبية كان متملكا لها ، وهو غريب عجيب .
قلت : الأخير - إن صح - داخل في الغنيمة ، والذي قبله داخل في المعاوضات كسائر صور الخلع ، وكذا الصداق .
وأما مسألة الضيف : فينبغي أن يعبر عنها بالإباحة : لتدخل هي وغيرها من الإباحات التي ليست بهبة ، ولا صدقة . ويعبر عن الدية والغرة بالجناية . ليشمل أيضا دية الأطراف والمنافع والجرح والحكومات .
وقد
قلت قديما
: وفي الكفاية أسباب التملك خذ ثمانيا ، وعليها زاد من لحقه الإرث ، والهبة ، الإحيا ، الغنيمه
والمعاوضات ، الوصايا ، الوقف ، والصدقه والوضع بين يدى زوج يخالعها
والضيف ، والخلع للمغصوب والسرقه كذا الجناية مع تمليك لقطته
والوطء للسبي فيما قال من سبقه قلت : الأخيرة إن صحت فداخله
في الغنم . والخلع في التعويض كالصدقه
الثالثة قال
العلائي : لا
يدخل في ملك الإنسان شيء بغير اختياره ، إلا في الإرث اتفاقا ، والوصية . إذا قيل : إنها تملك بالموت ، لا بالقبول . والعبد ، إذا ملك شيئا ، فإنه يصح قبوله بغير إذن السيد في أحد الوجهين فيدخل في ملك السيد بغير اختياره وكذلك غلة
[ ص: 318 ] الموقوف عليه ، ونصف الصداق إذا طلق قبل الدخول ; والمعيب إذا رد على البائع به . وأرش الجناية ، وثمن النقص إذا تملكه الشفيع .
والمبيع إذا تلف قبل القبض ، دخل الثمن في ملك المشتري ، وكذلك بما ملكه من الثمار ، والماء النابع في ملكه . وما يسقط فيه من الثلج ، أو ينبت فيه من الكلإ ; ونحوه .
قلت : وما يقع فيه من صيد ، وصار مقدورا عليه ، بتوحيل وغيره ، على وجه . والإبراء من الدين ، إذا قلنا : إنه تمليك لا يحتاج إلى قبول ، في الأصح المنصوص ، ولا يرتد بالرد على الأصح في زوائد الروضة الرابعة
المبيع ونحوه من المعاوضات يملك بتمام العقد ، فلو كان خيار مجلس ، أو شرط . فهل الملك في زمن الخيار للبائع ، استصحابا لما كان أو المشتري ، لتمام البيع بالإيجاب والقبول ، أو موقوف إن تم البيع ، بان أنه للمشتري من حين العقد ، وإلا فللبائع ؟ أقوال .
وصحح الأول فيما إذا كان الخيار للبائع وحده .
والثاني : إذا كان للمشتري وحده .
والثالث : إذا كان لهما . وهذه المسألة من غرائب الفقه ، فإن لها ثلاثة أحوال ، وفي كل حال ثلاثة أقوال ، وصحح في كل حال من الثلاثة . ويقرب منها : الأقوال في
ملك المرتد فالأظهر : أنه موقوف إن مات مرتدا بان زواله من الردة وإن أسلم بان أنه لم يزل ; لأن بطلان أعماله : يتوقف على موته مرتدا ، فكذلك ملكه .
والثاني : أنه يزول بنفس الردة ; لزوال عصمة الإسلام ، وقياسا على النكاح . والثالث : لا ، كالزاني المحصن .
قال
الرافعي : والخلاف في زوال ملكه يجري أيضا في ابتداء التملك إذا اصطاد ، واحتطب ، فعلى الزوال لا يدخل في ملكه ، ولا يثبت الملك فيه لأهل الفيء ، بل يبقى على الإباحة ، كما لا يملك المحرم الصيد إذا اصطاده ، ويبقى على الإباحة ، وعلى مقابله يملكه ، كالحربي ، وعلى الوقف موقوف . ويقرب من ذلك أيضا :
ملك الموصى له والموصى به ، وفيه أقوال . أحدها : يملك بالموت .
والثاني : بالقبول ، والملك قبله للورثة ، وفي وجه : للميت .
[ ص: 319 ] والثالث : - وهو الأظهر - موقوف . إن قبل ، بان أنه ملكه بالموت ، وإلا بان أنه كان للوارث . ويقرب من ذلك أيضا : الموهوب ، وفيه أقوال . أظهرها : يملك بالقبض ، وفي القديم بالعقد ، كالبيع .
والثالث : موقوف . إن قبضه ، بان أنه ملكه بالعقد . ويقرب من ذلك أيضا : الأقوال في أن
الطلاق الرجعي ، هل يقطع النكاح ؟ ففي قول : نعم ، وفي قول : لا . وفي قول موقوف ، إن راجع بان بقاء النكاح ، وإلا بان زواله من حين الطلاق .
فوائد : الخلاف ينبني عليه في المبيع ، والموصى به : كسب العبد ، وما في معناه ، كاللبن ، والبيض ، والثمرة ، ومهر الجارية الموطوءة بشبهة ، وسائر الزوائد ، فهي مملوكة لمن له الملك . وموقوفة عند الوقف . وينبني عليه أيضا : النفقة . والفطرة ، وسائر المؤن ، كما صرح به
الرافعي في الموصى به ،
وابن الرفعة في المبيع ، خلافا لقول
الجيلي : إنها على قول الوقف عليهما ، أو ينبني على الخلاف في المرتد صحة تصرفاته ، فعلى الزوال : لا يصح منه بيع ، ولا شراء ، ولا إعتاق ، ولا وصية ، ولا غيرها .
وعلى مقابله : هو ممنوع من التصرف ، محجور عليه كحجر المفلس ، فيصح منه ما يصح من المفلس ، دون غيره . وعلى الوقف : يوقف كل تصرف يحتمل الوقف ، كالعتق والتدبير والوصية . وما لا يقبله : كالبيع والهبة والكتابة ونحوها باطلة . ولا يصح نكاحه ولا إنكاحه لسقوط ولايته .
وفي وجه : أنه يجوز أن يزوج أمته ، بناء على بقاء الملك . وعلى الأقوال كلها : يقضى منه دين لزمه قبلها ، وقال
الإصطخري : لا ; بناء على الزوال وينفق عليه منه .
وفي وجه : لا ; بناء على الزوال وينفق على زوجات وقف نكاحهن ، وقريب ويقضى منه غرامة ما أتلفه في الردة وفي وجه : لا بناء على الزوال .
[ ص: 320 ] تنبيه : دخل فيما ذكرناه أولا : الإجارة ،
فتملك الأجرة أيضا بنفس العقد ، سواء كانت معينة أو في الذمة . كما صرح به
nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين وغيره .
ويملك المستأجر المنفعة في الحال أيضا ، وتحدث على ملكه . وفي البحر : وجه غريب أنها تحدث على ملك المؤجر . وبنى على ذلك : إجارة العين من مؤجرها بعد القبض ، فإن قلنا : تحدث على ملك المؤجر ، لم يجز لئلا يؤدي إلى أنه يملك منفعة ملكه كما لا يتزوج بأمته ، وإن قلنا : يحدث على ملك المستأجر ، جاز .