قاعدة :
من شك هل فعل شيئا أولا ؟ فالأصل أنه لم يفعله .
ويدخل فيها قاعدة أخرى : من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حمل على القليل لأنه المتيقن ، اللهم إلا أن تشتغل الذمة بالأصل فلا تبرأ إلا بيقين .
وهذا الاستثناء راجع إلى قاعدة ثالثة ، ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه وهي " أن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين " .
فمن فروع ذلك :
شك في ترك مأمور في الصلاة : سجد للسهو أو ارتكاب فعل منهي فلا يسجد ; لأن الأصل عدم فعلهما .
ومنها :
سها وشك : هل سجد للسهو ؟ يسجد .
ومنها :
شك في أثناء الوضوء أو الصلاة أو غيرهما من العبادات في ترك ركن ، وجبت إعادته ، فلو علمه وشك في عينه أخذ بالأسوأ ، فإن احتمل أنه النية وجب الاستئناف ، فلو ترك سجدة وشك ، هل هي من الركعة الأخيرة أو غيرها ، لزمه ركعة لاحتمال أن تكون من غيرها ، فتكمل بركعة تليها ويلغو باقيها .
ولو
شك في محل سجدتين أو ثلاث ، وجب ركعتان لاحتمال ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثانية ، فيكمل الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة ويلغو الباقي ، وكذا لو انضم إلى ذلك ترك سجدة أخرى ، هكذا أطبق عليه الأصحاب .
وأورد على ذلك أن الصواب في الثلاث : لزوم ركعتين وسجدة ، لأن أسوأ الأحوال أن يكون المتروك السجدة الأولى من الركعة الأولى ، والثانية من الثانية ، وواحدة من الرابعة فيبقى عليه من الركعة الأولى الجلوس بين السجدتين ، والسجدة الثانية فلما قدرنا أنه ترك السجدة الثانية من الركعة الثانية ، لم يمكن أن يكمل لسجدتها الأولى الركعة الأولى لفقدان الجلوس بين السجدتين قبلها . نعم بعدها جلوس محسوب ، فيحصل له من الركعتين ركعة إلا سجدة فيكملها بسجدة من الثالثة ويلغو باقيها ، ثم ترك واحدة من الرابعة فيبقى عليه ركعتان وسجدة .
وقد اعتمد
الأصفوني هذا الإيراد في مختصر الروضة ،
والإسنوي في تصحيح التنبيه ، وقال في شرح المنهاج : إنه عمل عقلي واضح لا شك فيه .
وأجاب عنه
النشائي : بأن هذا خلاف التصوير فإنهم حصروا المتروك في ثلاث
[ ص: 56 ] سجدات ، وهذا يستدعي ترك فرض آخر ، واتفاقهم على أن المتروك من الأولى واحدة يبطل هذا الخيال .
وذكر
ابن السبكي في التوشيح : أن والده وقف على رجز له في الفقه ، وفيه اعتماد هذا الإيراد فكتب على الحاشية : لكنه مع حسنه لا يرد ; إذ الكلام في الذي لا يفقد إلا السجود فإذا ما انضم له ترك الجلوس ، فليعامل عمله .
وإنما السجدة للجلوس وذاك مثل الواضح المحسوس .
ولو
شك في محل أربع سجدات لزمه سجدة وركعتان لاحتمال أن يكون ترك سجدتين من الأولى وسجدة من الثالثة وأخرى من الرابعة .
وعلى ما تقدم من الاستدراك يجب سجدتان وركعتان لاحتمال ترك الأولى من الأولى والثانية من الثانية وثنتين من الرابعة .
فحصل من الثلاث ركعة ولا سجود في الرابعة ، ولو
شك في محل خمس سجدات ، لزمه ثلاث ركعات لاحتمال ترك سجدتين من الأولى وسجدتين من الثالثة ، وسجدة من الرابعة .
ومنها لو
شك ، هل غسل ثنتين أو ثلاثة ؟ بنى على الأقل وأتى بالثالثة ، وقال
الجويني : لا لأن ترك سنة أهون من فعل بدعة ، ورد بأنها إنما تكون بدعة مع العلم بأنها رابعة . ومنها
شك ، هل أحرم بحج أو عمرة ، نوى القران ثم لا يجزيه إلا الحج فقط لاحتمال أن يكون أحرم به ، فلا يصح إدخال العمرة عليه .
ومنها
شك ، هل طلق واحدة أو أكثر ، بنى على الأقل .
ومنها :
عليه دين ، وشك في قدره ، لزمه إخراج القدر المتيقن كما قطع به
الإمام ، إلا أن تشتغل ذمته بالأصل ، فلا يبرأ إلا مما تيقن أداءه ، كما لو
نسي صلاة من الخمس ، تلزمه الخمس .
ولو
كان عليه زكاة بقرة وشاة وأخرج أحدهما وشك فيه وجوبا ، قاله
ابن عبد السلام قياسا على الصلاة ، وصرح به
nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال في فتاويه فقال : لو
كانت له أموال من الإبل والبقر والغنم وشك في أن عليه كلها أو بعضها لزمه زكاة الكل لأن الأصل بقاء زكاته ، كما لو
شك في الصيام وقال : أنا شاك في العشر الأول هل علي صوم كله أو ثلاثة أيام منه وجب قضاء كله ولو
اتخذ إناء من فضة وذهب ، وجهل الأكثر ولم يميزه ، وجب أن يزكي الأكثر ذهبا وفضة .
ولو
كانت عليها عدة وشكت ، هل هي عدة طلاق أو وفاة ؟ لزمها الأكثر ، وإنما وجب الأكثر في هذه الصورة لأن المكلف ينسب إلى القصير ، بخلاف من شك في الخارج أمني أم مذي ؟ حيث يتخير .
ولو
كان عليه نذر وشك : هل هو صلاة أو صوم أو عتق أو صدقة ؟ قال
البغوي [ ص: 57 ] في فتاويه : يحتمل أن يقال : عليه الإتيان بجميعها ، كمن نسي صلاة من الخمس ، ويحتمل أن يقال : يجتهد بخلاف الصلاة ، لأنا تيقنا هناك وجوب الكل ، فلا يسقط إلا بيقين وهنا لم يجب إلا شيء واحد واشتبه ، فيجتهد كالقبلة والأواني .
ولو
حلف وشك : هل حلف بالله تعالى ، أو الطلاق أو العتق ، قال
الزركشي : ففي التبصرة
للخمي المالكي : أن كل يمين لم يعتد الحلف بها لا تدخل في يمينه مع الشك . قال : وقياس مذهبنا أن يقال : إذا حنث لا يقع الطلاق لأنه لا يقع بالشك .
وأما الكفارة فيحتمل أن لا تجب في الحال لعدم تحقق شغل الذمة ، ويحتمل أن تجب في الحال ، فإذا أعتق برئ ; لأنها إن كانت بالله أو الظهار أو العتق ، فالعتق تجزئ في كلها ولا يضر عدم التعيين بخلاف ما لو أطعم أو كسا .
قلت : الاحتمال الأول أرجح ، ونظيره ما لو شك في الحد ، أرجم أو جلد ، فإنه لا يحد بل يعزر كما قرره
ابن المسلم : أن التردد بين جنسين من العقوبة إذا لم يكونا قتلا ، يقتضي إسقاطهما والانتقال إلى التعزير ، وسيأتي في أحكام الخنثى .
ومنها
رجل فاتته صلاة يومين فصلى عشر صلوات ، ثم علم ترك سجدة لا يدري من أيها . أفتى
nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين بأنه يلزمه إعادة صلوات يوم وليلة ، وهو قياس قوله فيمن ترك صلوات لا يدري عددها : أنه يجب القضاء إلى أن يتيقن إتيانه بالمتروك ، وقال
ابن القطان في المطارحات : الصحيح الاكتفاء بواحدة ، فبإعادتها يصير شاكا في وجوب الباقي فلا يلزمه بالشك وجوب إعادة الباقي ، وهو قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال في تلك : يكتفي بقضاء ما يشك بعده : في أنه هل بقي في ذمته شيء ؟