المصالح التي أمر الشرع بتحصيلها ضربان : أحدهما مصالح الإيجاب .
والثاني : مصالح الندب .
والمفاسد التي أمر الشرع بدرئها ضربان :
[ ص: 18 ] أحدهما : مفاسد الكراهة .
الثاني : مفاسد التحريم .
والشرع يحتاط لدرء مفاسد الكراهة والتحريم ، كما يحتاط لجلب مصالح الندب والإيجاب ، والاحتياط ضربان : أحدهما :
ما يندب إليه ، ويعبر عنه بالورع ، كغسل اليدين ثلاثا إذا قام من النوم قبل إدخالهما الإناء ، وكالخروج من خلاف العلماء عند تقارب المأخذ ، وكإصلاح الحكام بين الخصوم في مسائل الخلاف ، وكاجتناب كل مفسدة موهمة ، وفعل كل مصلحة موهمة ; فمن شك في عقد من العقود ، أو في شرط من شروطه ، أو في ركن من أركانه ، فليعده بشروطه وأركانه ، وكذلك من فرغ من عبادة ، ثم شك في شيء من أركانها ، أو شرائطها بعد زمن طويل ، فالورع أن يعيدها ، فلو شك في إبراء من دين ، أو تعزير ، أو حد ، أو قصاص ; فليبرئ من ذلك ليحصل على جزاء المحسنين ، ويبرأ خصمه بيقين ، وإن شك في إعتاق ، أو نكاح قبل الدخول ، فليجدد النكاح والإعتاق ، وإن شك أطلق قبل الدخول أو بعده ، فإن كان قبل انقضاء العدة ، فليجدد رجعة ونكاحا ، وإن كان بعد انقضائها ، فليجدد النكاح ، وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين ، فإن أراد بقاء النكاح مع الورع ، فليطلق طلقة معلقة على نفي الطلقة الثانية ، بأن يقول إن لم أكن طلقتها فهي طالق كي لا يقع عليه طلقتان ، وإن شك في الطلقة أرجعية هي أم خلع فليرتجع ، وليجدد النكاح ; لأنها إن تكن رجعية ، فقد تلافاها بالرجعة ، وإن كانت خلعا ، فقد تلافاها ، وإن شك في حال المال المخرج في الزكاة ، أو الكفارة ، أو الديون ، فليعد ذلك ، ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث ، فالورع أن يحدث ، ثم يتطهر ، فإن تطهر من غير حدث ،
[ ص: 19 ] فالمختار أن الورع لا يحصل بذلك ; لعجزه عن جزم نية رفع الحدث ; لأن بقاء الطهارة يمنعه من الجزم ، كما أن بقاء شعبان يمنع من جزم نية صوم شهر رمضان ليلة الثلاثين من شعبان ، وهذا هو الجاري على أصول مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، رحمه الله ، من جهة أن استصحاب الأصل قد منع الجزم والإجزاء في مسائل شتى ، ولا فرق بينهما وبين هذا ، ولو التبس عليه المني بالمذي فليجامع ثم يغتسل لجزم النية ، فإن اغتسل من غير جنابة فينبغي أن لا يجزئه إلا في أعضاء الوضوء ، لا أن استصحاب الطهارة فيما عدا الوضوء مانع من جزم نية الغسل فيها ، ونظائر هذا كثيرة ، وضابطه أن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ، ومن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه .