( فائدة ) اعلم أن
الأسباب منقسمة إلى ما يناسب أحكامه وهو الأكثر ، وإلى ما لا يناسبها ، وهو التعبد .
وفي الأشباه اختلاف . مثال ما لا يناسب أحكامه : وجوب غسل الأطراف في الوضوء بالمس واللمس وخروج الخارج من السبيلين ، فإن كل واحد من هذه الأسباب لا تعقل مناسبته لغسل الأطراف ، إذ كيف يعفى عن محل النجاسة ويجب غسل ما لم تصبه النجاسة ؟ مثال ما يناسب أحكامه : وجوب غسل النجاسة ، وجوب عقاب الجناة زجرا لهم عن الجنايات ، ووجوب اشتراط العدالة في الولاة لتحملهم عدالتهم على إقامة مصالح الولايات ، وكذلك إيجاب الغنائم للغانمين ، فإن القتال يناسب إيجابها لهم ; لأنهم حصلوها بقتالهم وتسببوا إليها برماحهم وسهامهم ، وكذلك جعل الأسلاب للقاتلين المخاطرين لقوة تسببهم إلى
[ ص: 100 ] تحصيلها ترغيبا لهم في المخاطرة بقتل المشتركين .
وكذلك إيجاب الفيء لسيد المرسلين وخاتم النبيين لما نصره الله به من الرعب في قلوب الكافرين ، وقد جعله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله على أحد قوليه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأجناد المسلمين ; لأنهم قاموا مقامه في إرعاب الكافرين .
وكذلك إيجاب الأسلاب للمثخنين دون الذابحين بعد الإثخان كما وقع في قصة ابني
عفراء nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهم فإنهما أثخنا
أبا جهل وذبحه
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود بعد ذلك ; لأن السلب إنما استحقه القاتل ; لأنه كفى مئونته ودفع شره عن المسلمين ، وذلك مختص بالمثخنين دون الذابحين بعد الإثخان ، وكذلك تخصيص قبول الروايات والشهادات بالمعدلين لاختصاصهم بظهور صدقهم والثقة بأقوالهم بين كافة المسلمين .
وكذلك تخصيص المعاملات والمناكحات دفعا للضرورات والحاجات ، فمن الأسباب ما يبنى عليه حكم واحد ، ومنها ما يبنى عليه حكمان ، إلى أن ينتهي السبب الواحد إلى قريب من ستين حكما أو أكثر .
فلما له
من الأسباب حكم واحد أمثلة أحدها : ملك الصيد بالحيازة .
المثال الثاني : وجوب الحكم بالشهادة .
المثال الثالث : وجوب الحكم بالإقرار .
المثال الرابع : وجوب الحكم إذا حلف المدعي بعد نكول المدعى عليه .
المثال الخامس : تنجيس الماء بمصادفة النجاسة مع القلة أو عند تغير أحد أوصافه ، وللنجاسة أحكام كثيرة ، وكذلك حصول الطهارة عند الغسل المشروع وللطهارة أحكام كثيرة .
المثال السادس : وجوب الطاعة عند أمر الإمام أو الحاكم أو السيد أو الوالد .
المثال السابع : تخير القاتل بعد تمام الإيجاب في قريب الزمان دون بعيده .
[ ص: 101 ]
المثال الثامن : إتلاف الأموال خطأ موجب للضمان .
المثال التاسع : قتل المحرم الصيد موجب للتخير بين الجزاء والصوم والإطعام وذلك حكم واحد .
المثال العاشر : أهلية الإمامة والقضاء موجبة لتولية الإمام والقضاة .
المثال الحادي عشر : الطيب والأدهان موجبان للتخير بين الخصال الثلاث .
المثال الثاني عشر : حلق الرأس موجب للتخير بين الصيام والصدقة والنسك .
المثال الثالث عشر : ملك خمس من الإبل موجب للخيار بين الشاة وبين بنت مخاض أو لبون والحقة والجذعة والثنية .
ولما له من الأسباب حكمان أمثلة . أحدها قتل الخطأ وهو معفو عنه وله حكمان : أحدهما وجوب الكفارة .
والثاني : وجوب الضمان .
المثال الثاني : الحنث في اليمين إذا كان مباحا أو واجبا أو مندوبا فله حكمان أحدهما : التخير بين الخصال الثلاث ، والثاني ترتيب الصيام ، وإن كان الحنث محرما فإن كان كبيرة أوجب التحريم والتفسيق والتفكير المذكور ، وإن كان الحنث صغيرة أوجب التحريم والتخيير والترتيب .
المثال الثالث : التمتع موجب لحكمين أحدهما الهدي ، والثاني الصيام عند العجز .
وأما السب والضرب فإنهما موجبان للتحريم والتعزير ما لم ينتهيا إلى حد الكبائر ، فإن انتهيا إلى حد الكبائر حصل التحريم والتفسيق والتعزير .
ولما له من الأسباب ثلاثة أحكام أمثلة - أحدها إتلاف الأموال عمدا وأحكامه التحريم والتعزير وإيجاب الضمان .
المثال الثاني : القذف وأحكامه التحريم والتفسيق والجلد .
المثال الثالث : زنا الثيب وأحكامه التحريم والتفسيق والرجم .
المثال الرابع : شرب الخمر وأحكامه التحريم والتفسيق والحد .
[ ص: 102 ] المثال الخامس : شرب النبيذ وهو موجب للتحريم والتفسيق والحد على من يعتقد تحريمه ، وأما من لا يعتقد تحريمه فهو موجب لحده من غير تحريم ولا تفسيق .
المثال السادس : الظهار وهو موجب للتحريم والتفسيق والكفارة المرتبة .
وأما قتل العمد فهو موجب للتحريم والتفسيق والتخيير بين الدية والقصاص ، وزاد
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله الكفارة فله على مذهبه أربعة أحكام .
وأما
ماله من الأسباب أربعة أحكام فكزنا البكر وهو موجب للتحريم والتفسيق والجلد والتغريب .
وأما الحدث الأصغر فسبب لتحريم الصلاة والطواف وسجدة الشكر والسهو والتلاوة ومس المصحف ، ويزيد عليه حدث الجنابة وهو الحدث الأوسط بتحريم الصوم والوطء والطلاق .
وأما
الوطء فله أحكام كثيرة منها الأحكام السبعة في الجنابة ، ومنها العشرة في الحيض ، ومنها أحكامه في الصوم وهي التحريم والتفسيق والإفساد ، وإيجاب الكفارة المرتبة ، ومنها أحكامه في الاعتكاف الواجب ، وهي التحريم والإفساد والتعزير ، وأما التفسيق فإن وقع الجماع في المسجد كان فسقا .
وإن كان خارج المسجد فإن وقع في وقت ملابسة الحاجة فليس بمفسق ; لأجل الاختلاف في إباحة ذلك ، وإن وقع وراء ذلك ففيه وقفة .
ومنها : أحكامه في الحج والعمرة وهي التحريم والتفسيق والكفارة ، وإفساد الصحة دون الانعقاد ، وأما المضي في الفاسد ففيه نظر من جهة أنه واجب بالإحرام لا بالجماع ، ومنها تحليل المرأة لمطلقها ، ومنها تقرير المهر المسمى في النكاح الصحيح ، وإيجابه لمهر المثل في النكاح الفاسد وفي الوطء
[ ص: 103 ] بالشبهة ، ووطء النكاح ، وكذلك إيجابه الاستبراء في المملوكة إذا ملكت ، وبعد زوال ملكها ، وكذلك إيجابه للتحريم والتفسيق والجلد والتغريب .
وكذلك إيجابه لإلحاق الأولاد في ظاهر الحكم في الحرائر والإماء المشتركات ، وكذلك إلحاقه النسب إذا وقع بالشبهة في العزبات الخليات ، ومنها التحصين في حق الزوجين فيما يرجع إلى حق الزنا ، ومنها حصول الفيئة به في الإيلاء وحصول العود به في الظهار عند بعض العلماء ، ومنها قطعه للعدة إذا وقع في أثنائها بشبهة وحصل منه الحمل ، ومنها تحريمه أم الزوجة وجداتها وبنت الزوجة وبناتها وتفسيقه ، وإيجابه الحد في كل واحدة منهن ، ومنها تحريمه الجمع بين الأختين وتفسيقه ، وإيجابه الحد على من علمه .
ومنها تحريمه وتفسيقه إذا وقع بشبهة الشركة ، وإيجابه لبعض المهر ، ومنها تحريمه وطء الزوج في عدة النكاح إذا وقعت في أثناء النكاح ، وإيجابه التعزير ، وكل موضع حرمناه على الزوج ، فالتمكين منه حرام على النساء إذا علمن موجب للتعزير إن وقع بشبهة كالوطء في الجارية المملوكة ، والحد إن خلا عن الشبهة : إما بالرجم أو بالجلد والتغريب ، وإن وقعت الشبهة من أحد الجانبين دون الآخر ، فإن تعلقت بالنساء فلهن مهور أمثالهن ، ولا حد عليهن ولا تحريم ، وإن تعلقت بالرجل تعلق بالنساء ما يتعلق بالزناة ، ولا مهر للنساء وعليهن العدد .