[ ص: 68 - 69 ] الفصل الأول : في
قتال أهل الردة وما عدا جهاد المشركين من قتال ينقسم ثلاثة أقسام : قتال أهل الردة .
وقتال أهل البغي ، وقتال المحاربين . فأما القسم الأول في قتال أهل الردة فهو أن يرتد قوم حكم بإسلامهم سواء ولدوا على فطرة الإسلام أو أسلموا عن كفر ، فكلا الفريقين في حكم الردة سواء ، فإذا ارتدوا عن الإسلام إلى أي دين انتقلوا إليه مما يجوز أن يقر أهله عليه كاليهودية والنصرانية ، أو لا يجوز أن يقر أهله عليه كالزندقة والوثنية لم يجز أن يقر من ارتد إليه ، لأن الإقرار بالحق يوجب التزام أحكامه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35954من بدل دينه فاقتلوه } .
فإذا كانوا ممن وجب قتلهم بما ارتدوا عنه من دين الحق إلى غيره من الأديان لم يخل حالهم من أحد أمرين : إما أن يكونوا في دار الإسلام شذاذا وأفرادا لم يتحيزوا بدار يتميزون بها عن المسلمين فلا حاجة بنا إلى قتالهم لدخولهم تحت القدرة ويكشف عن سبب ردتهم ، فإن ذكروا شبهة في الدين أوضحت لهم بالحجج والأدلة حتى يتبين لهم الحق وأخذوا بالتوبة مما دخلوا فيه من الباطل ، فإن تابوا قبلت توبتهم من كل ردة وعادوا إلى حكم الإسلام كما كانوا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا أقبل توبة من ارتد إلى ما يستر به من الزندقة إلا أن يبتدئها من نفسه ، وأقبل توبة غيره من المرتدين ، وعليهم بعد التوبة قضاء ما تركوه من الصلاة والصيام في زمان الردة لاعترافهم بوجوبه قبل الردة .
وقال
[ ص: 70 ] nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا قضاء عليهم كمن أسلم عن كفر ، ومن
كان من المرتدين قد حج في الإسلام قبل الردة لم يبطل حجه بها ولم يلزمه قضاؤه بعد التوبة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة قد بطل بالردة ولزمه القضاء بعد التوبة ، ومن
أقام على ردته ولم يتب وجب قتله رجلا كان أو امرأة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا أقتل المرأة بالردة : وقد {
قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالردة امرأة كانت تكنى أم رومان }
ولا يجوز إقرار المرتد على ردته بجزية ولا عهد ، ولا تؤكل ذبيحته ، ولا تنكح منه امرأة .
واختلف الفقهاء في قتلهم هل يعجل في الحال أو يؤجلون فيه ثلاثة أيام على قولين أحدهما تعجيل قتلهم في الحال لئلا يؤخر لله عز وجل حق .
والثاني ينظرون ثلاثة أيام لعلهم يستدركونه بالتوبة ، وقد أنذر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عليه السلام
المستورد العجلي بالتوبة ثلاثة ثم قتله بعدها ، وقتل صبرا بالسيف . وقال
ابن سريج من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يضرب بالخشب حتى يموت ، لأنه أبطأ قتلا من السيف الموحي وربما استدرك به التوبة ، وإذا قتل لم يغسل ولم يصل عليه .
ووري مقبورا ولا يدفن في مقابر المسلمين لخروجه بالردة عنهم ولا في مقابر المشركين لما تقدم له من حرمة الإسلام المباينة لهم ، ويكون ماله فيئا في بيت مال المسلمين مصروفا في أهل الفيء لأنه لا يرثه عنه وارث من مسلم ولا كافر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة يورث عنه ما اكتسبه قبل الردة ويكون ما اكتسبه بعد الردة فيئا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف يورث عنه ما اكتسب قبل الردة وبعدها فإذا لحق المرتد بدار الحرب كان ماله في دار الإسلام موقوفا عليه ، فإن عاد إلى الإسلام أعيد عليه ، وإن هلك على الردة صار فيئا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة أحكم بموته إذا صار إلى دار الحرب وأقسم ماله بين ورثته ، فإن عاد إلى دار الإسلام استرجعت ما بقي في أيديهم من ماله ولم أغرمهم ما استهلكوه فهذا حكم المرتدين إذا لم ينحازوا إلى دار وكانوا شذاذا بين المسلمين والحالة الثانية أن ينحازوا إلى دار ينفردون بها عن المسلمين حتى يصيروا فيها ممتنعين فيجب قتالهم على الردة بعد مناظرتهم على الإسلام وإيضاح دلائله ، ويجري على قتالهم بعد الإنذار والإعذار حكم قتال أهل الحرب في قتالهم
[ ص: 71 ] غرة وبيانا ومصافتهم في الحرب جهارا وقتالهم مقبلين ومدبرين . ومن أسر منهم جاز قتله صبرا إن لم يتب ، ولا يجوز أن يسترق عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وإذا ظهر عليهم لم تسب ذراريهم وسواء من ولد منهم في الإسلام أو بعد الردة ، وقيل إن من ولد منهم بعد الردة جاز سبيه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة يجوز سبي من ارتد من نسائهم إذا لحقن بدار الحرب ; وإذا غنمت أموالهم لم تقسم في الغانمين وكان مال من قتل منها فيئا ومال الأحياء موقوفا ، إن أسلموا رد عليهم ، وإن هلكوا على ردتهم صار فيئا ، وما أشكل أربابه من الأموال المغنومة صار فيئا إذا وقع الإياس من معرفتهم ، وما استهلكه المسلمون عليهم في نائرة الحرب لم يضمن إذا أسلموا ، وما استهلكوا من أموال المسلمين في غير نائرة الحرب مضمون عليهم .
واختلف في
ضمان ما استهلكوه في نائرة الحرب على قولين :
أحدهما يضمنونه ، لأن معصيتهم بالردة لا تسقط عنهم غرم الأموال المضمونة .
والثاني لا ضمان عليهم فيما استهلكوه من دم ومال . قد أصاب أهل الردة على عهد
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله عنه نفوسا وأموالا عرف مستهلكوها فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه يدون قتلانا ولا ندي قتلاهم فقال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر لا يدون قتلانا ولا ندي قتلاهم فجرت بذلك سيرته وسيرة من بعده .
وقد أسلم
طليحة بعد أن سبي وكان قد قتل وسبى فأقره
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه بعد إسلامه ولم يأخذه بدم ولا مال ; ووفد
أبو شجرة بن عبد العزى وكان من
أهل الردة على
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقسم الصدقات فقال أعطني فإني ذو حاجة فقال من أنت ؟ فقال
أبو شجرة فقال أي عدو الله ألست تقول ( من الطويل ) :
ورويت رمحي من كتيبة nindex.php?page=showalam&ids=22خالد وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
ثم جعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى ولى راجعا إلى قومه وهو يقول ( من البسيط ) :
ضن علينا أبو حفص بنائله وكل مختبط يوما له ورق
[ ص: 72 ] ما زال يضربني حتى حدثت له وحال من دون بعض البغية الشفق
لما رهبت أبا حفص وشرطته والشيخ يقرع أحيانا فينمحق
فلم يعرض له
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه بسوى التعزير لاستطالته بعد الإسلام ;
ولدار الردة حكم تفارق به دار الإسلام ودار الحرب .
فأما ما تفارق به دار الإسلام فمن أربعة أوجه :
أحدها : أنه لا يجوز أن يهادنوا على الموادعة في ديارهم ويجوز أن يهادن أهل الحرب .
والثاني : أنه لا يجوز أن يصالحوا على مال يقرون به على ردتهم ، ويجوز أن يصالح أهل الحرب .
والثالث : أنه لا يجوز استرقاقهم ولا سبي نسائهم ، ويجوز أن يسترق أهل الحرب وتسبى نساؤهم .
والرابع : أنه لا يملك الغانمون أموالهم ، ويملكون ما غنموه من مال أهل الحرب وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه : قد صارت ديارهم بالردة دار حرب ويسبون ويغنمون وتكون أرضهم فيئا وهم عنده كعبدة الأوثان من
العرب وأما ما تفارق به دار الإسلام فمن أربعة أوجه :
أحدها : وجوب قتالهم مقبلين ومدبرين كالمشركين .
والثاني : إباحة إمائهم أسرى وممتنعين .
والثالث : تصير أموالهم فيئا لكافة المسلمين .
والرابع : بطلان مناكحتهم بمضي العدة وإن اتفقوا على الردة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تبطل مناكحتهم بارتداد أحد الزوجين ، ولا تبطل بارتدادهما معا ; ومن
ادعيت عليه الردة فأنكرها كان قوله مقبولا بغير يمينه ،
ولو قامت عليه البينة بالردة لم يصر مسلما بالإنكار حتى يتلفظ بالشهادتين ،
وإذا امتنع قوم من أداء الزكاة إلى الإمام العادل جحودا لها كانوا بالجحود مرتدين يجري عليهم حكم أهل الردة ولو امتنعوا من أدائها مع الاعتراف بوجوبها كانوا من بغاة المسلمين ، يقاتلون على المنع منه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله : لا يقاتلون .
وقد قاتل
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة مع تمسكهم بالإسلام حتى قالوا والله ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه علام تقاتلهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
[ ص: 73 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2081أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأولادهم إلا بحقها } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر هذا من حقها : أرأيت لو سألوا ترك الصلاة ؟ أرأيت لو سألوا ترك الصيام ؟ أرأيت لو سألوا ترك الحج ؟ فإذا لا تبقى عروة من عرى الإسلام إلا انحلت ; والله لو منعوني عناقا وعقالا مما أعطوه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فشرح الله صدري للذي شرح له صدر
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله عنه ، وقد أبان عن إسلامهم قول زعيمهم
حارثة بن سراقة في شعره ( من الطويل ) :
ألا فاصحبينا قبل نائرة الفجر لعل المنايا قريب ولا ندري
أطعنا رسول الله قد كان بيننا فيا عجبا ما بال ملك nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر
فإن الذي سألوكم فمنعتمو لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر
سنمنعكم ما كان فينا بقية كرام على العزاء في ساعة العسر