الشرط الحادي والعشرون: أن لا يمرض الوالد مرضا مخوفا.
صورة ذلك: أن يهب والد لولده هبة فيقبضها الولد أو تقبض له، فيمرض الوالد مرضا مخوفا قبل أن يرجع فيها، فهل يكون مرضه مانعا لرجوعه على ولده أو لا يكون كذلك؟.
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن ذلك يمنع الرجوع.
وهذا هو القول المشهور عند
المالكية.
ويحتمل أن يكون قولا
للحنفية، والشافعية والحنابلة; وذلك لأنهم يمنعون على المريض مرض الموت أن يحابي في عطاياه، وكذلك ينبغي
[ ص: 169 ] أن يمنعوا هنا; لأنه عندما يرجع الوالد في هبته لولده التي قد حازها، فكأنما يحابي بقية الورثة ليشركهم معه فيما قد وهبه له.
ثم إن الحنفية: إنما جعلوا
للأب الرجوع فيما وهبه لولده عند حاجته، وهو في مرض موته لا يعتصر لحاجته، وإنما يعتصر للورثة فينبغي أن يمنعوا عليه الاعتصار على قاعدتهم.
ثم إن
الحنابلة كذلك: يرون أن المرض المخوف يمنع على الوالد الأخذ من مال ولده، فكذلك ينبغي أن يمنعوه هنا; لكون الرجوع هنا في مال قد صار على ملك الولد.
وعلل
المالكية لقولهم المشهور: بأن الوالد إذا أراد أن يرجع فيما وهبه لولده، إنما يرجع لحظ نفسه ولا يرجع لحظ الورثة.
القول الثاني: أن ذلك لا يمنع الوالد من الرجوع.
وهو قول عند
المالكية.
ويحتمل أن يكون قولا
للحنفية، والشافعية، والحنابلة; لأن الحجر عندهم على المريض إنما هو في تصرفاته المخرجة للمال من ذمته على
[ ص: 170 ] تفصيل بينهم في ذلك، واسترجاع ما وهب الوالد لولده ليس من ذلك; لأنه إدخال للمال في ذمته، لا إخراج له منها.
وعلل
المالكية لهذا القول: بأن المرض يوجب الحجر، والحجر لا يمنع على المحجور عليه تحصيل المال، وإنما عليه إخراجه من ذمته.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم بالصواب- أن الوالد إذا مرض مرضا مخوفا ليس له الرجوع فيما وهبه لولده; لأن ماله أصبح مال وارث.
فما يرجع فيه يشترك فيه بقية أولاده.
إلا إذا كان رجوعه تلافيا لجور حصل منه بسبب تفضيله أو تخصيصه بعض ولده، بالهبة فيجب أن يرجع. والله أعلم.