أما جمعهم بين الروايتين ، في كونها : " العصر والظهر " ، فمحمول على أن هذا الأمر كان بعد دخول وقت الظهر ، وقد صلى الظهر بالمدينة بعضهم دون بعض . فقيل للذين لم يصلوا الظهر : لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة . وللذين صلوا بالمدينة : لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة .
[ ص: 140 ] ويحتمل أنه قيل للجميع : ولا تصلوا العصر ولا الظهر ، إلا فيهم .
ويحتمل : أنه قيل للذين ذهبوا أولا : لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة . وللذين ذهبوا بعدهم : لا تصلوا العصر إلا فيهم .
قال النووي : وأما اختلاف الصحابة في المبادرة بالصلاة عند ضيق وقتها وتأخيرها ، فسببه : أن أدلة الشرع تعارضت عندهم : بأن الصلاة مأمور بها في الوقت . مع أن المفهوم من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : المبادرة بالذهاب إليهم) ، وأن لا يشتغل عنه بشيء . لا أن تأخير الصلاة مقصود في نفسه ، من حيث إنه تأخير . فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم ، نظرا إلى المعنى ، لا إلى اللفظ ، فصلوا حين خافوا فوت الوقت . وأخذ آخرون بظاهر اللفظ وحقيقته ، فأخروها . ولم يعنف النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدا من الفريقين ، لأنهم مجتهدون . ففيه : دلالة لمن يقول بالمفهوم والقياس ، ومراعاة المعنى . ولمن يقول بالظاهر أيضا .
وفيه : أنه لا يعنف المجتهد فيما فعله باجتهاده ، إذا بذل وسعه في الاجتهاد .