قال النووي : هذه الأحاديث : أشكل معناها على بعض العلماء ، حتى قال فيها أقوالا باطلة ، وزاد حتى تجاسر ، ورام أن يضعف بعضها . وادعى فيها دعاوى باطلة ، لا غرض لنا في ذكرها ، ولا وجه لإشاعة الأباطيل والغلطات في تفسير السنن . بل نذكر الصواب ، ويشار إلى التحذير من الاغترار بما خالفه .
وليس في هذه الأحاديث " بحمد الله تعالى ": إشكال ، ولا فيها ضعف ، بل كلها صحيحة . والصواب : أن النهي فيها محمول على [ ص: 546 ] كراهة التنزيه . وأما شربه صلى الله عليه وآله وسلم قائما ، فبيان للجواز . فلا إشكال ولا تعارض . وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه .
وأما من زعم نسخا أو غيره ، فقد غلط غلطا فاحشا . فكيف يصار إلى النسخ ، مع إمكان الجمع بين الأحاديث ؟ لو ثبت التاريخ ، وأنى له بذلك ؟.
فإن قيل : كيف يكون الشرب قائما مكروها ، وقد فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فالجواب : أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ إذا كان بيانا للجواز : لا يكون مكروها . بل البيان واجب عليه ، صلى الله عليه وآله وسلم . فكيف يكون مكروها ؟
وقال : وأما الاستقاءة ، فمحمول على الاستحباب والندب . فيستحب لمن شرب قائما : أن يتقيأ ، لهذا الحديث الصحيح الصريح . فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب : حمل على الاستحباب . وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : لا خلاف بين أهل العلم : أن من شرب قائما ناسيا ، ليس عليه أن يتقيأه ، فأشار بذلك إلى تضعيف الحديث . فلا يلتفت إلى إشارته . وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاءة ؛ لا يمنع كونها مستحبة . فإن ادعى مدع: منع الاستحباب ، فهو مجازف لا يلتفت إليه . فمن أين له الإجماع على منع الاستحباب ؟ وكيف تترك هذه السنة الصريحة ، بالتوهمات والدعاوى والترهات ؟
[ ص: 547 ] قال : واعلم أنه يستحب الاستقاءة لمن شرب قائما ، ناسيا أو متعمدا . وذكر الناسي في الحديث ، ليس المراد به أن القاصد يخالفه . بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى . لأنه إذا أمر به الناسي وهو غير مخاطب فالعامد المخاطب المكلف أولى . وهذا واضح لا شك فيه . انتهى .
وذكر في النيل : جموعا أخرى ، لأحاديث الباب . وقال الحافظ في الجمع الذي ذكره النووي : هذا أحسن المسالك وأسلمها ، وأبعدها من الاعتراض . وقد أشار الأثرم إلى ذلك آخرا ، فقال : إن ثبتت الكراهة ؛ حملت على الإرشاد والتأديب ، لا على التحريم . وبذلك جزم nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري . ومن شاء التفصيل : فليرجع إلى نيل الأوطار .