الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3775 باب: النهي عن الشرب قائما

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب الشرب قائما) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 197 ج 13 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ ( عن أبي غطفان المري، أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه، (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: "لا يشربن أحد منكم قائما. فمن نسي. فليستقئ") ].

                                                                                                                              [ ص: 545 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 545 ] (الشرح)

                                                                                                                              والحديث له ألفاظ وطرق ؛ منها : حديث أنس عند مسلم ، بلفظ : "زجر عن الشرب قائما " .

                                                                                                                              وفي رواية : "نهى عن الشرب قائما " . وفيه : "قلنا : فالأكل ؟ قال : أشر وأخبث" .

                                                                                                                              وفي الرواية الأخرى : " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : شرب من زمزم وهو قائم" .

                                                                                                                              وفي صحيح البخاري : " أن عليا ؛ رضي الله عنه : شرب قائما ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فعل كما رأيتموني فعلت" .

                                                                                                                              قال النووي : هذه الأحاديث : أشكل معناها على بعض العلماء ، حتى قال فيها أقوالا باطلة ، وزاد حتى تجاسر ، ورام أن يضعف بعضها . وادعى فيها دعاوى باطلة ، لا غرض لنا في ذكرها ، ولا وجه لإشاعة الأباطيل والغلطات في تفسير السنن . بل نذكر الصواب ، ويشار إلى التحذير من الاغترار بما خالفه .

                                                                                                                              وليس في هذه الأحاديث " بحمد الله تعالى ": إشكال ، ولا فيها ضعف ، بل كلها صحيحة . والصواب : أن النهي فيها محمول على [ ص: 546 ] كراهة التنزيه . وأما شربه صلى الله عليه وآله وسلم قائما ، فبيان للجواز . فلا إشكال ولا تعارض . وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه .

                                                                                                                              وأما من زعم نسخا أو غيره ، فقد غلط غلطا فاحشا . فكيف يصار إلى النسخ ، مع إمكان الجمع بين الأحاديث ؟ لو ثبت التاريخ ، وأنى له بذلك ؟.

                                                                                                                              فإن قيل : كيف يكون الشرب قائما مكروها ، وقد فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فالجواب : أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ إذا كان بيانا للجواز : لا يكون مكروها . بل البيان واجب عليه ، صلى الله عليه وآله وسلم . فكيف يكون مكروها ؟

                                                                                                                              وقال : وأما الاستقاءة ، فمحمول على الاستحباب والندب . فيستحب لمن شرب قائما : أن يتقيأ ، لهذا الحديث الصحيح الصريح . فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب : حمل على الاستحباب . وأما قول عياض : لا خلاف بين أهل العلم : أن من شرب قائما ناسيا ، ليس عليه أن يتقيأه ، فأشار بذلك إلى تضعيف الحديث . فلا يلتفت إلى إشارته . وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاءة ؛ لا يمنع كونها مستحبة . فإن ادعى مدع: منع الاستحباب ، فهو مجازف لا يلتفت إليه . فمن أين له الإجماع على منع الاستحباب ؟ وكيف تترك هذه السنة الصريحة ، بالتوهمات والدعاوى والترهات ؟

                                                                                                                              [ ص: 547 ] قال : واعلم أنه يستحب الاستقاءة لمن شرب قائما ، ناسيا أو متعمدا . وذكر الناسي في الحديث ، ليس المراد به أن القاصد يخالفه . بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى . لأنه إذا أمر به الناسي وهو غير مخاطب فالعامد المخاطب المكلف أولى . وهذا واضح لا شك فيه . انتهى .

                                                                                                                              وذكر في النيل : جموعا أخرى ، لأحاديث الباب . وقال الحافظ في الجمع الذي ذكره النووي : هذا أحسن المسالك وأسلمها ، وأبعدها من الاعتراض . وقد أشار الأثرم إلى ذلك آخرا ، فقال : إن ثبتت الكراهة ؛ حملت على الإرشاد والتأديب ، لا على التحريم . وبذلك جزم الطبري . ومن شاء التفصيل : فليرجع إلى نيل الأوطار .




                                                                                                                              الخدمات العلمية