( عن أبي مسعود الأنصاري) رضي الله عنه ؛ ( قال : كان رجل من الأنصار ، يقال له : " أبو شعيب ". وكان له غلام لحام) . أي : يبيع اللحم . وفيه : دليل على جواز الجزارة ، وحل كسبها .
( فرأى رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، فعرف في وجهه الجوع. فقال لغلامه : ويحك ! اصنع لنا طعاما لخمسة نفر . فإني أريد أن أدعو النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم ؛ خامس خمسة . قال : فصنع . ثم أتى النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم ، فدعاه خامس خمسة . واتبعهم رجل . فلما بلغ الباب ؛ قال النبي صلى الله عليه) وآله ( وسلم : إن هذا اتبعنا . فإن شئت أن تأذن له . وإن شئت رجع . قال : لا . بل آذن له . يا رسول الله !) .
فيه : أن المدعو ، إذا تبعه رجل بغير استدعاء ؛ ينبغي له : أن لا يأذن [ ص: 580 ] له ، وينهاه . وإذا بلغ باب دار صاحب الطعام أعلمه به ، ليأذن له أو يمنعه . وأن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له ؛ إن لم يترتب على حضوره مفسدة : بأن يؤذي الحاضرين . أو يشيع عنهم ما يكرهونه .
أو يكون جلوسه معهم مزريا بهم لشهرته بالفسق . ونحو ذلك . فإن خيف من حضوره شيء من هذا ؛ لم يأذن له . وينبغي : أن يتلطف في رده . ولو أعطاه شيئا من الطعام " إن كان يليق به ، ليكون ردا جميلا " : كان حسنا .
وأما حديث الفارسي السابق ؛ فمحمول على أنه كان هناك عذر ، يمنع وجوب إجابة الدعوة . فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخيرا بين إجابته وتركها . فاختار أحد الجائزين وهو تركها ، إلا أن يأذن لعائشة معه ، لما كان بها من الجوع أو نحوه . فكره صلى الله عليه وآله وسلم الاختصاص بالطعام دونها. وهذا من جميل المعاشرة ، وحقوق المصاحبة ، وآداب المجالسة المؤكدة . فلما أذن لها، اختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجائز الآخر ، لتجدد المصلحة . وهو حصول ما كان يريد : من إكرام جليسه ، وإيفاء حق معاشرته ، ومواساته فيما يحصل .
واختلف العلماء في وجوب الإجابة ؛ وإن منهم من لم يوجبها في غير وليمة العرس، كهذه الصورة . هذا كلام النووي . وقد سبق في ( باب بيان الوليمة) : الأعذار في ترك إجابة الدعوة.