( عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة) رضي الله عنه ؛ ( قال : جاء أعرابي إلى [ ص: 582 ] رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، فقال : إني مجهود) . أي : أصابني الجهد . وهو المشقة ، والحاجة ، وسوء العيش ، والجوع.
( فأرسل إلى بعض نسائه . فقالت : والذي بعثك بالحق ! ما عندي إلا ماء . ثم أرسل إلى أخرى ، فقالت مثل ذلك . حتى قلن كلهن مثل ذلك : لا. والذي بعثك بالحق ! ما عندي إلا ماء) .
( فقال : من يضيف هذا ، الليلة ، رحمه الله تعالى) .
فيه : أنه ينبغي لكبير القوم : أن يبدأ في مواساة الضيف ، ومن يطرقهم ؛ فيواسيه من ماله أولا بما تيسر ، إن أمكنه . ثم يطلب له - على سبيل التعاون على البر والتقوى - من أصحابه .
( فقام رجل من الأنصار ، فقال : أنا . يا رسول الله ! فانطلق به إلى رحله) . أي : منزله . ورحل الإنسان : هو منزله من حجر ، أو مدر ، أو شعر ، أو وبر .
( فقال لامرأته : هل عندك شيء ؟ قالت : لا. إلا قوت صبياني . قال : فعلليهم بشيء) . هذا محمول ؛ على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين [ ص: 583 ] إلى الأكل ، وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان ، من غير جوع يضرهم . فإنهم لو كانوا على حاجة ؛ بحيث يضرهم ترك الأكل : لكان إطعامهم واجبا . ويجب تقديمه على الضيافة . وقد أثنى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ على هذا الرجل وامرأته ، فدل على أنهما لم يتركا واجبا . بل أحسنا وأجملا ، رضي الله عنهما .
( فإذا دخل ضيفنا ، فأطفئي السراج ، وأريه أنا نأكل . فإذا أهوى ليأكل ؛ فقومي إلى السراج حتى تطفئيه . قال : فقعدوا وأكل الضيف) .
قال النووي : وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ، ونحوه من أمور الدنيا ، وحظوظ النفس . أما " القربات " ؛ فالأفضل أن يؤثر بها . لأن الحق فيها لله تعالى .
( فلما أصبح ، غدا على النبي صلى الله عليه وآله ( وسلم . فقال : " قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما ؛ الليلة ") .
[ ص: 584 ] فيه : معجزة ظاهرة ، لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . حيث أخبر بهذه القصة ، قبل أن يخبره بها الأنصاري .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : المراد بالعجب من الله : رضاه ذلك . قال : وقد يكون المراد : عجبت الملائكة . وأضافه إليه سبحانه تشريفا . انتهى .
وأقول : هذا هو التأويل ، الذي اختاره الخلف لأحاديث الصفات ؛ من غير قرآن ولا برهان . وقد درج السلف الصالح على إجرائها ، وإمرارها على ظاهرها ، من دون تشبيه ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل . وهو الحق البحت ، والصواب الصرف ، في هذا الباب . وما لنا وللتأويل ، الذي هو في الحقيقة فرع التكذيب . ويكفينا في هذه المسائل : أن نؤمن بها كما جاءت . ولا نقول : كيف وكذا ؟.