[ ص: 27 ] فرجعت إلى أسماء فخبرتها، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخرجت إلي جبة طيالسة كسروانية، لها لبنة ديباج. وفرجيها مكفوفين بالديباج. فقالت: هذه كانت عند nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة حتى قبضت. فلما قبضت؛ قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها. فنحن نغسلها للمرضى؛ يستشفى بها .
(الشرح)
(عن عبد الله، مولى nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر، وكان خال ولد عطاء؛ قال: أرسلتني أسماء إلى nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر)، رضي الله عنهم. (فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثا: العلم في الثوب، وميثرة الأرجوان).
"الميثرة": بكسر الميم وبالثاء: "مفعلة". مأخوذة من "الوثارة". يقال: "وثر" بضم الثاء، "وثارة" بفتح الواو. فهو "وثير". أي: وطيء لين.
"والوثارة": هي اللين والنعمة. وياء "ميثرة" واو. ولكنها قلبت لكسر ما قبلها، كميزان وميعاد.
قال النووي : قال العلماء: هي "وطاء"، كانت النساء [ ص: 28 ] يصنعنه لأزواجهن على السروج. وكان من مراكب العجم. ويكون من الحرير، ويكون من الصوف وغيره. وقيل: أغشية للسروج؛ تتخذ من الحرير. وقيل: هي سروج من الديباج. وقيل: هي شيء كالفراش الصغير، تتخذ من حرير، تحشى بقطن أو صوف، يجعلها الراكب على البعير تحته، فوق الرحل.
"والأرجوان": بضم الهمزة والجيم. وهو الصواب المعروف، في روايات الحديث، وفي كتب الغريب، وفي كتب اللغة وغيرها. وكذا صرح به "القاضي". في "المشارق".
وفي شرحه؛ في موضعين منه: بضم الجيم وفتح الهمزة. قال النووي : وهذا غلط ظاهر؛ من النساخ، لا من القاضي. فإنه صرح في "المشارق": بضم الهمزة. قال أهل اللغة وغيرهم: هو صبغ أحمر، شديد الحمرة. هكذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد والجمهور. وقال الفراء: هو الحمرة. وقال ابن فارس: هو كل لون أحمر. وقيل: هو الصوف الأحمر. وقال الجوهري : هو شجر له نور أحمر، أحسن ما يكون.
قال: وهو معرب. وقال آخرون: هو عربي. قالوا: والذكر والأنثى فيه: سواء. يقال: هذا ثوب أرجوان. وهذه قطعة أرجوان. وقد يقولونه على الصفة. ولكن الأكثر في استعماله: إضافة الأرجوان إلى [ ص: 29 ] ما بعده. ثم إن أهل اللغة ذكروه في (باب: الراء والجيم والواو). وهذا هو الصواب. ولا يغتر بذكر nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض له في "المشارق"؛ في (باب: الهمزة والراء والجيم). ولا بذكر nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير له في (باب: الراء والجيم والنون). والله أعلم بالصواب.
(وصوم رجب كله. فقال لي عبد الله: أما ما ذكرت من رجب؛ فكيف بمن يصوم الأبد؟ وأما ما ذكرت من العلم في الثوب؛ فإني سمعت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب) رضي الله عنه؛ (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ يقول: "إنما يلبس الحرير: من لا خلاق له). فخفت أن يكون العلم منه. وأما ميثرة الأرجوان؛ فهذه ميثرة عبد الله. فإذا هي أرجوان).
أما جواب صوم رجب؛ فإنكار منه؛ لما بلغها عنه من تحريمه، وإخبار بأنه: يصوم رجب كله، وأنه: يصوم الأبد. والمراد "بالأبد": ما سوى أيام العيدين والتشريق. وهذا مذهبه، ومذهب أبيه، nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة، وأبي طلحة، وغيرهم - رضي الله عنهم - من سلف الأمة. ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره من العلماء: أنه لا يكره صوم الدهر. والصواب: كراهته؛ لحديث: nindex.php?page=hadith&LINKID=668599 "لا صام ولا أفطر".
[ ص: 30 ] وأما العلم؛ فلم يعترف بأنه كان يحرمه. بل أخبر أنه تورع منه؛ خوفا من دخوله في: عموم النهي عن الحرير.
وأما الميثرة؛ فأنكر ما بلغها عنه. وقال: هذه ميثرتي. وهي أرجوان. والمراد: أنها "حمراء"، وليست من حرير. بل من صوف أو غيره.
قال النووي : إنها قد تكون من صوف، وقد تكون من حرير. وإن الأحاديث الواردة في النهي عنها؛ مخصوصة بالتي هي من الحرير.
(فرجعت إلى أسماء فأخبرتها. فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم. فأخرجت إلي جبة طيالسة)؛ بإضافة "جبة" إلى "طيالسة"، كما ذكره "ابن رسلان": في شرح السنن، " والنووي ".
"والطيالسة": جمع "طيلسان"؛ بفتح اللام، على المشهور. قال جماهير أهل اللغة: لا يجوز فيه غير فتح اللام. وعدوا كسرها في: تصحيف العوام. وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض في "المشارق"، في حرف السين والياء، في تفسير الساج: أن "الطيلسان"، يقال بفتح اللام، وضمها، وكسرها. وهذا غريب ضعيف.
[ ص: 31 ] قال في النيل: وهو كساء غليظ. والمراد: أن الجبة غليظة؛ كأنها من طيلسان.
(كسروانية)؛ بكسر الكاف وفتحها. والسين ساكنة. والراء مفتوحة. ونقل nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: أن جمهور الرواة؛ رووه بكسر الكاف. وهو نسبة إلى: nindex.php?page=showalam&ids=16848 "كسرى"، صاحب العراق، ملك الفرس. وفيه: كسر الكاف وفتحها.
قال: ورواه الهروي، في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، فقال: "خسروانية".
(لها لبنة ديباج)؛ بكسر اللام وإسكان الباء. هكذا ضبطها nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض وسائر الشراح. وكذا هي في كتب اللغة والغريب. قالوا: "وهي رقعة في جيب القميص". هذه عبارتهم كلهم.
(وفرجيها مكفوفين بالديباج). كذا وقع في جميع النسخ. وهما منصوبان بفعل محذوف. أي: ورأيت فرجيها مكفوفين.
ومعنى "المكفوف": أنه جعل لها "كفة"؛ بضم الكاف، وهو ما يكف به جوانبها، ويعطف عليها. ويكون ذلك: في الذيل، وفي الفرجين. "والفرج" في الثوب: الشق: الذي يكون أمام الثوب، وخلفه في أسفلها. وهما المراد بقوله: "فرجيها".
[ ص: 32 ] والحديث: يدل على جواز لبس ما فيه "من الحرير": هذا المقدار. وقد قيل: إن ذلك محمول على أنه أربع أصابع، أو دونها، أو فوقها؛ إذا لم يكن مصمتا. جمعا بين الأدلة. ولكنه يأبى الحمل على الأربع فما دونها: قوله في حديث آخر: "شبر من ديباج". وعلى غير المصمت: قوله: "من ديباج". فإن الظاهر: أنها من "ديباج فقط"، لا منه ومن غيره. إلا أن يصار إلى المجاز للجمع كما ذكر. نعم يمكن: أن يكون التقدير بالشبر، لطول تلك اللبنة، لا لعرضها، فيزول الإشكال.
واستدل النووي بحديث الباب: على جواز لباس الجبة، ولباس ما له فرجان، وأنه لا كراهة فيه.
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني؛ من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8 "علي": النهي عن المكفف بالديباج. وسنده ضعيف.
وبالجملة؛ فإخراج أسماء جبة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، المكفوفة بالحرير، إنما قصدت بها: أن هذا القدر ليس محرما. قال النووي : وهكذا الحكم عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره؛ أن الثوب، والجبة، والعمامة، ونحوها: إذا كان مكفوف الطرف بالحرير: جاز، ما لم يزد على أربع أصابع. فإن زاد، فهو حرام. لحديث nindex.php?page=showalam&ids=2 "عمر" المتقدم.
( فقالت: هذه كانت عند nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، حتى قبضت. فلما قبضت، قبضتها. وكان النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: يلبسها. فنحن نغسلها للمرضى؛ يستشفى بها).
وفيه: أن النهي عن الحرير، المراد به: الثوب المتمحض منه، أو ما أكثره حرير. وأنه ليس المراد: تحريم كل جزء منه. بخلاف الخمر والذهب، فإنه يحرم كل جزء منهما. انتهى.