صفحة جزء
ما ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين من المهاجرين والأنصار

ثم لما فرغ سبحانه من الثناء على المهاجرة والأنصار ، ذكر ما ينبغي أن يقوله من جاء بعدهم ، فقال : والذين جاءوا من بعدهم ، وهم التابعون بإحسان إلى يوم القيامة; لأنه يصدق على الكل أنهم جاءوا بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا ; أي : غشا وحقدا وبغضا وحسدا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم [الحشر : 10]; أي : كثير الرأفة والرحمة ، بليغهما لمن يستحق ذلك من عبادك .

أمر الله سبحانه بعد الاستغفار لهم أن يطلبوا منه سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق ، فيدخل في ذلك الصحابة دخولا أوليا; لكونهم أشرف المؤمنين ، ولكن السياق فيهم .

فمن لم يستغفر للصحابة على العموم ، ولم يطلب رضوان الله لهم ، فقد خالف ما أمر الله به في هذه الآية .

هذا آخر الآيات الواردة في أوصاف المؤمنين ، وبيان فضائلهم ، وجزائهم .

وفي القرآن الكريم من أمثال هذه البينات شيء كثير طيب ، وفيما ذكرناه هاهنا مقنع وبلاغ لقوم يؤمنون ويعقلون ويفقهون .

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بني الإسلام على خمس» ; أي : خمس دعائم : «شهادة أن لا إله إلا الله» بجر الشهادة ، وهو الأشهر ، ويجوز الضم .

وقد تقدم تفسير هذه الجملة في النصيب الأول من هذا الكتاب مفصلا ، بل هو بتمامه وشرح تلك الكلمة .

[ ص: 101 ] «وأن محمدا عبده ورسوله» ، وهذا النصيب الآخر من هذا الكتاب كله شرح لهذه الجملة المباركة ، وهي أول الخمس التي عليها بناء الإسلام .

والثاني قوله : «إقام الصلاة» ، والثالث : «إيتاء الزكاة» ، والرابع : «الحج» ، والخامس : «صوم رمضان» متفق عليه .

ويزيده إيضاحا حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد! أخبرني عن الإسلام . قال : «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» . قال : صدقت ، فعجبنا له يسأله ويصدقه .

قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره» . قال : صدقت .

قال : فأخبرني عن الإحسان . قال : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك»
. الحديث .

وفيه قال : فإنه «جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» رواه مسلم . وأصله في الصحيحين» متفق عليه .

وفيه بيان الإسلام والإيمان والإحسان ، وهذا هو الأصل الأصيل في التفرقة بين هذه الثلاثة المراتب الدينية .

التالي السابق


الخدمات العلمية