[ ص: 171 ] معنى «الفطرة» التي يولد الإنسان عليها .
والمراد بالفطرة التي ولدوا عليها : التهيؤ والتمكن من إصابة الحق عند النظر الصحيح .
وهذا لا ينافي وجود ظلمة النفس وظلمة الطبيعة; لأن الآدمي من حيث الروحانية متهيئ للرشد والهداية ، ومن حيث النفسانية متهيئ للغي والضلالة .
وبعد الوصول إلى حد البلوغ ، يكون إصابة النظر الصحيح بتوفيق الحق وهداية الله ، وإلقاء النور ، وترجيح جانب الروحانية من حضرته - جلت عظمته .
فإن لم يحصل هذا ، كان محكوم النفس الأمارة بالسوء مغمورة في ورطة الظلمة والضلالة .
وقد تقرر : أن المقادير السابقة وراء الفطرة . والحديث يشير إلى سابقة التقدير والعلم وإرادة الله . ولا ينافي حديث الفطرة . فافهم ، وبالله التوفيق .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=909637«إن الله - عز وجل - فرغ إلى كل عبد من خلقه من خمس» .
قال في الترجمة : وحيث إن الفراغ محال في حقه - عز وجل - ، فالمراد به : عدم التبديل والتغيير للتقدير .
ثم بين تلك الخمس بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=909637«من أجله ، وعمله ، ومضجعه ، وأثره ، ورزقه» يعني : فرغ وخلا من أجل كل عبد ، وعين مدة عمره ، وفرغ من عمل كل عبد ماذا يفعله من الخير والشر ، والحسن والقبيح ، وفرغ من مضجع كل عبد .
وأصل «المضجع» - بفتح الجيم - في اللغة : وضع الجنب على الأرض .
والمراد به هنا : السكون ، والمراد بأثره هاهنا : الحركة .
يعني : أن حركات العباد وسكناتهم كلها مقدرة في الأزل .
[ ص: 172 ] أو المراد «بالمضجع» : مكان الموت ، وبأي أرض يموت هو . والأثر : هو حركته في حالة الحياة .
أو المضجع : إشارة إلى الإقامة ، والأثر الذي هو نقش القدم على وجه البسيطة : إشارة إلى المسافرة .
والمراد بالرزق : ما يصل إلى العبد من المنافع والمرافق . انتهى . رواه أحمد .
والحديث دليل ساطع على إثبات القدر ، وأن أقدار العباد سابقة في أزل الآزال إلى أبد الآباد ، لا تتغير ، ولا تتبدل .
فكأنه سبحانه فرغ بعدما قضى بها وقدرها ، وإلا ، فالله تعالى كل يوم في شأن ، كما نطق بهذا القرآن .