[ ص: 355 ] باب
في ذكر الصحابة وأهل البيت
-رضي الله عنهم أجمعين-
قال الله -تبارك وتعالى-: ورحمتي وسعت كل شيء من المكلفين وغيرهم.
قال جمع من المفسرين: لما نزلت هذه الآية، تطاول إبليس إليها، وقال: وأنا من ذلك الشيء، فنزعها الله من إبليس. قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي، وابن جريج. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة نحوه.
قال أهل العلم: هذه الآية من العام الذي أريد به الخاص، فرحمة الله عمت البر والفاجر في الدنيا، وهي للمؤمنين خاصة في الآخرة
فسأكتبها للذين يتقون الشرك والذنوب. قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ويؤتون الزكاة المفروضة عليهم
والذين هم بآياتنا يؤمنون [الأعراف: 156] أي: يصدقون ويذعنون لها، فأيس إبليس.
وقالت اليهود: نحن نتقي ونؤتي الزكاة، ونؤمن بآيات ربنا، فنزعها الله من اليهود وأثبتها لهذه الأمة.
عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: سأل
موسى ربه مسألة، فأعطاها، وأعطى
محمدا -صلى الله عليه وسلم- كل شيء سأل
موسى -عليه السلام- ربه في هذه الآية.
وقالت المقلدة للمذاهب: نحن أهل التقوى والإيمان بالله، نقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة،
[ ص: 356 ] وهم مشركون في النبوة بإيثار التقليد، فنزعها الله عنهم، وأثبتها لأهل الاتباع.
وبين الذين كتب لهم هذه الرحمة بيانا أوضح مما قبله، وأصرح، فقال:
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي [الأعراف: 157] هو
محمد -صلى الله عليه وسلم- بإجماع المفسرين واتفاقهم على ذلك.
فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل، والمقلدة من هذه الأمة؛ لأنهم ليسوا بمتبعين للرسول الأمي.
إنما هم يقلدون الرجال في آرائهم، ويقولون بما قالوه، قياسا، وظنا، واستحسانا. ولا يبالون بمصادمة ذلك سنة الرسول الأمي.
والكلام في «الأمي» نسبة ومعنى، لا يأتي في هذا المقام بكثير فائدة، فإن محله كتب التفسير، راجع «فتح البيان».
الذي يجدونه أي، يجدون أهل الكتاب نعته
مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وهما مرجعهم في الدين.
وهذا الكلام منه سبحانه مع موسى، وهو قبل نزول الإنجيل، فهو من باب الإخبار بما سيكون
يأمرهم بالمعروف أي: بكل ما تعرفه القلوب ولا تنكره؛ من الأشياء التي هي من مكارم الأخلاق ومحاسن الأحكام.
ويدخل فيه اتباع الكتاب والسنة، دخولا أوليا؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- لا يأمر بذلك:
وينهاهم عن المنكر أي: عما تنكره القلوب، ولا تعرفه، وهو ما كان من مساوئ الأخلاق، ومحدثات الأمور.
ويدخل فيه التقليد للرجال دخولا أوليا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- نهاهم عن البدع والأمور المستحدثة، وهو من ذلك
ويحل لهم الطيبات أي: المستلذات التي
[ ص: 357 ] تستطيبها الأنفس
ويحرم عليهم الخبائث أي: المستخبثات، وهو كل ما يستخبثه الطبع، وتستقذره النفس؛ فإن الأصل في المضار الحرمة إلا ما له دليل متصل بالحل.
وفيه
رد على من يترك أكل الطيبات التي أحلها الله للناس من المتصوفة؛ مخالفة لشهوة النفس، ومجاهدة في الزهد، وهذا ليس بشيء، فإن مراد الشارع -عليه السلام- في كل أمر من الأمور موافقة الحق، لا مخالفة النفس على الإطلاق.
ومن الفقراء من يأكل الخبيث، ويزعم أن هذا كمال في النفس الناطقة، وجمال في الناس.
والآية الشريفة ترد على كلا الفريقين
ويضع عنهم إصرهم [الأعراف: 157] أي: التكاليف الشاقة الثقيلة، أو العهد الذي أخذ عليهم أن يعملوا بما في التوراة من الأحكام، وعلينا أن نعمل بما في القرآن من البيان
والأغلال التي كانت عليهم مثل قتل النفس في التوبة، وقطع الأعضاء الخاطئة، وقرض النجاسة عن البدن والثوب بالمقراض، وتعيين القصاص في القتل، وتحريم أخذ الدية، وترك العمل في السبت، وأن صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس، إلى غير ذلك من التكاليف الشاقة، التي كانوا قد كلفوا بها.
فالذين آمنوا به أي:
بمحمد -صلى الله عليه وسلم-
واتبعوه فيما جاء به من الشرائع الحقة
وعزروه أي: عظموه ووقروه، قاله الأخفش
ونصروه أي: قاموا بنصره على من يعاديه في الدنيا والدين
واتبعوا النور الذي أنزل معه أي: القرآن الكريم والفرقان العظيم.
قال في «فتح البيان» : أي اتبعوا القرآن المنزل إليه مع اتباعه بالعمل والسنة، مما يأمر به وينهى عنه.
أولئك إشارة إلى المتصفين بهذه الأوصاف
هم المفلحون أي: الناجون الفائزون بالخير والفلاح والهداية، لا غيرهم من الأمم.