فصل في بيان الشرك الأصغر وأنواعه
وأما الشرك الأصغر، فكيسير الرياء، والحلف بغير الله، وقول: هذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا.
وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب حال قائله ومقصده.
ثم قال
ابن القيم -رحمه الله- في ذلك الكتاب، بعد فراغه من ذكر الشرك الأكبر والأصغر والتعريف لهما:
ومن أنواع الشرك: سجود المريد للشيخ، ومن أنواعه: التوبة للشيخ; فإنها شرك عظيم.
ومن أنواعه:
النذر لغير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله، [ ص: 88 ] والإنابة والخضوع والذل لغير الله، وابتغاء الرزق من عند غير الله، وإضافة نعمه إلى غيره.
ومن أنواعه:
طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم.
وهذا أصل شرك العالم; فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فضلا لمن استغاث به، أو سأله أن يشفع له إلى الله، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده; فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه.
والله لم يجعل سؤال غيره سببا لإذنه، وإنما السبب كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن.
والميت محتاج إلى من يدعو [له] كما
أوصانا النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم، ونسأل الله لهم العافية والمغفرة.
فعكس المشركون هذا، وزاروهم زيارة العبادة، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد.
فجمعوا بين الشرك بالمعبود، وتغيير دينه، ومعاداة أهل التوحيد، ونسبتهم إلى التنقص بالأموات.
وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك، وأولياءه الموحدين بذمهم ومعاداتهم، وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص؛ إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا، أو أنهم أمروهم به.
وهؤلاء أعداء الرسل في كل زمان ومكان، وما أكثر المستجيبين لهم!! ولله در خليله إبراهيم حيث يقول:
واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا .
وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده لله، وعادى المشركين في الله، وتقرب بمقتهم إلى الله. انتهى كلام ابن القيم.
فانظر كيف صرح بأن ما يفعله هؤلاء المعتقدون في الأموات هو شرك أكبر،
[ ص: 89 ] بل أضل شرك العالم، وما ذكره من المعاداة لهم، فهو صحيح
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ،
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إلى قوله:
كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده [الممتحنة:1-4].