رد الفقهاء وأهل النظر على من أجاز التقليد بحجج نقلية وعقلية
وقد احتج جماعة من الفقهاء وأهل النظر على
من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية لعله ما تقدم .
فأحسن ما رأيت قول المنزل، وأنا أورده، قال: يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال: نعم، بطل التقليد; لأن الحجة أوجبت ذلك عنده، لا التقليد .
وإن قال: حكمت به بغير حجة، قيل له: فلم أرقت الدماء، وأبحت الفروج، وأتلفت الأموال، وقد حرم الله ذلك إلا بحجة، قال الله - عز وجل -:
إن عندكم من سلطان بهذا [يونس: 68]; أي: من حجة بهذا؟ فإذا قال: أنا أعلم أني قد أصبت، وإن لم أعرف الحجة ; لأني قلدت كبيرا من العلماء، وهو لا يقول إلا بحجة خفيت علي.
[ ص: 265 ] قيل له: إذا جاز تقليد معلمك ; لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك، فتقليد معلم معلمك أولى; لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك، كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك.
فإن قال: نعم، ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
وإن أبى ذلك، نقض قوله، وقيل له: كيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علما، ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علما؟ وهذا تناقض .
فإن قال: لأن معلمي - وإن كان أصغر - فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه، فهو أبصر بما أخذ، وأعلم بما ترك.
قيل له: وكذلك من تعلم من معلمك ; فقد جمع علم معلمك، وعلم من فوقه إلى علمه، فيلزمه تقليده، وترك تقليد معلمك، وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك، لأنك جمعت علم معلمك، وعلم من هو فوقه إلى علمك.
فإن قلد قوله، جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وكذلك الصاحب عنده، يلزمه تقليد التابع، والتابع من دونه في قياس قوله، والأعلى للأدنى أبدا.
وكفى بقول يؤول إلى هذا تناقضا وفسادا .
قال
أبو عمر: قال أهل العلم والنظر: حد العلم: التبيين، وإدراك المعلوم على ما هو به، فمن بان له الشيء، فقد علمه.
قالوا: والمقلد لا علم له، لم يختلفوا في ذلك .
ومن هاهنا - والله أعلم - قال
البحتري: عرف العالمون فضلك بالعلـ ــــم وقال الجهال بالتقليد وأرى الناس مجمعين على فضـ
لك من بين سيد ومسود
[ ص: 266 ]