صفحة جزء
باب في المناكح بين المسلمين وأهل الكفر

نكاح المشرك المسلمة محرم، لقوله سبحانه: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا [البقرة: 221] ، وقوله: فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [الممتحنة: 10].

وأجمع أهل العلم على أن نكاح الكتابي المسلمة محرم.

ويجوز وطء المسلم الكتابية الحرة بالنكاح، والأمة بملك اليمين.

واختلف في الأمة منهن بنكاح فمنعه مالك وابن القاسم.

وقال أشهب في "كتاب محمد" فيمن أسلم وتحته أمة كتابية: لا يفرق بينهما.

ولا يجوز وطء الوثنيات بنكاح، ولا بملك يمين، هذا قول مالك.

واختلف في المجوسيات فقال مالك وابن القاسم: لا يجوز وطؤهن بحال، لا بنكاح، ولا بملك يمين.

وقال ابن شعبان: أجاز بعض متقدمي أهل المدينة ذلك بملك اليمين، وأجازه أبو ثور بالنكاح وملك اليمين، وذكر عن حذيفة بن اليمان أنه تزوج مجوسية. [ ص: 2111 ] وقال أبو الحسن ابن القصار: قال بعض أصحابنا: هي على أحد القولين أن لهم كتابا، أولى أن تجوز مناكحتهم.

واختلف في الصابئة، والسامرية ما هما؟ فقيل: الصابئون صنف من النصارى، والسامرية صنف من اليهود.

وقيل: ليسوا منهم.

فعلى القول الأول تجوز مناكحتهم، وعلى القول الآخر لا تجوز.

والأصل في جواز نكاح الحرة الكتابية قول الله -عز وجل-: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن الآية [المائدة: 5] ، وهذه الآية متأخرة النزول عن آية البقرة في قوله -عز وجل-: ولا تنكحوا المشركات [البقرة: 221]. وعن آية النساء في قوله سبحانه: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [النساء: 25] ، فكانت آية المائدة لتأخر نزولها أصلا في جواز نكاح الحرائر الكتابيات.

واختلف في الوجه الذي أبيحت له الكتابيات بالملك.

فقيل: قياسا على الحرائر منهن.

وقيل: لأنه لم يتقدم فيهن تحريم.

وقيل: قوله سبحانه: ولا تنكحوا المشركات تضمن عبدة الأوثان، [ ص: 2112 ] واليهود، والنصارى.

فعبدة الأوثان مشركون بقولهم: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3] ، والنصارى بقولهم: المسيح ابن الله وبعض اليهود بقولهم: عزير ابن الله

وقيل: نزلت الآية في عبدة الأوثان خاصة؛ لأنه لم تجر العادة في اليهود والنصارى أنهم يسمون مشركين، ويدل على ذلك قوله سبحانه: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين [البينة: 1] ، وقوله -عز وجل-: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين [البينة: 6] ، ولقوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا [الحج: 17] فنزل القرآن على مشهور متعارف كان عندهم، وإن كان الآخرون مشركين، وقال تعالى سبحانه: تعالى عما يشركون [النحل: 3] ، ولم يكونوا يسمون بذلك، فعلى هذا يكون أهل الكتاب لم يتقدم لهم ذكر، ولم يدخلوا في عموم قوله: ولا تنكحوا المشركين

وأما من منع وطء الأمة الكتابية على وجه الزوجية فاحتج بآية النساء بشرط الله سبحانه الإيمان وبآية المائدة بشرط الله تعالى الحرية، ولا حجة في الجميع، فأما آية النساء فإنها تضمنت الانتقال من الحرة المؤمنة إلى الأمة المؤمنة، وظاهرها يقتضي منع الكافرة، حرة كانت أو أمة.

ونحن نقول بجواز نكاح الحرة الكتابية مع القدرة على نكاح الأمة المؤمنة، وهذا يغني عن سقوط الاحتجاج بذلك، إذ ليس عليه العمل، بل يقدم نكاح الحرة الكتابية على الأمة المؤمنة، لئلا يرق ولده، وإن لم يخش عنتا [ ص: 2113 ] وإن كان واجدا الحرة المؤمنة، وأما آية المائدة فإنها نزلت على ما يجوز نكاحه اختيارا من غير عذر ولا ضرر، ولأن نكاح الأمة المسلمة لا يجوز إلا بشرط عدم الطول، وخشيان العنت، وكذلك الأمة الكتابية لا يجوز إلا بمثل ذلك من الشرط، فذكر الله سبحانه نكاح الحرة الكتابية؛ لأنها لا تحتاج إلى شرط.

وأجاز أشهب لمن أسلم على أمة نصرانية البقاء عليها: لأن التزويج تقدم في وقت لم يخاطب فيه بشرط، فأشبه من تزوجها في الإسلام بوجه جائز على الشرطين، ثم زال فوجد طولا، ولم يخش عنتا؛ فإنه يجوز له البقاء عليها. فإن تزوج عليها حرة، فارقها على قول ابن حبيب.

التالي السابق


الخدمات العلمية