صفحة جزء
باب في عتق أحد الشريكين ، ومن أعتق نصيبا من عبد جميعه له

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أعتق شركا له في عبد وله مال قوم عليه قيمة العدل ، وأعطي شركاؤه حصصهم ، وأعتق عليه ، وإلا فقد عتق بعد منه ما عتق" .

واستكمال العتق حق لله سبحانه ، فلو رضي العبد والشريك بتركه ، لم يجز .

واختلف قول مالك : هل يكون بقية العبد عتيقا بنفس العتق الأول أو بعد الحكم؟ وفرق الحكم مرة وقال : إن كان له جميعه كان عتيقا بنفس العتق وإن لم يحكم به ، وإن كان شريكا فحتى يحكم .

قال الشيخ : الأحسن ألا يكون عتيقا في الموضعين إلا بعد الحكم ، لقوله -عليه السلام- : "قوم . . . وأعتق عليه" هذا أمر ، وإن وقع العتق وليس في الحديث أنه بعتق الشريك يصير جميعه عتيقا ، فإن قيل : فليس في الحديث أيضا أنه رقيق حتى يعتق ، قيل : الأصل الرق فلا يصير الباقي عتيقا إلا بلفظ لا احتمال فيه ، فإن لم ينظر فيه حتى قتل أو جرح أو قذف كان على أحكام العبيد حتى يستكمل ، وقد قيل : إنه بنفس التقويم يصير عتيقا ، وهذا وهم; لأن عتق البعض يتضمن شيئين ، حقا لآدمي في أخذ ملكه منه بالقيمة ، وحقا لله تعالى في إكمال العتق [ ص: 3782 ] فالحكم بأحدهما ليس بحكم في الآخر . وإذا حكم على الشريك صار بمنزلة لو كان له جميعه ، والصحيح من المذهب بعد أن يكون جميعه للمعتق ألا يكون بقيته حرا إلا بعد الحكم ، وللشريك أن يعتق نصيبه ولا يقومه .

ومعنى الحديث أن يصير جميعه عتيقا إذا طلب ذلك المتمسك ، فإن اختار الشريك أن يعتق ثم انتقل إلى التقويم ، لم يكن ذلك له إلا برضا المعتق; لأنه أسقط حقه عنه .

واختلف إذا اختار التقويم ، ثم انتقل إلى العتق ، فقيل : ليس ذلك له ، وقال عند ابن حبيب : له ذلك . وقاله ابن القاسم وابن الماجشون ومحمل هذا القول ألا مقال في ذلك للعبد فيقول : لا يستكمل إلا على الأول وذلك للمعتق الأول لأنه يقول صار في في ذلك حق لاستكمال الأجر والولاء .

قال محمد : ويقوم على أنه عبد لا عتق فيه . يريد : لأن العتق عيب في باقي العبد وهو أدخل ذلك العيب فعليه فيه قيمة نصيب صاحبه سالما قبل ذلك العيب ويقوم كم يسوى لو بيع كله; لأن بيع الجملة أثمن ، وإن أعتق بإذن الشريك لم يكن له سوى القيمة يوم الحكم على أن نصفه حر ولا شيء له إذا كان معسرا ، وإن تأخر الاستكمال حتى تغير سوقه كان لمن لم يعتق قيمة عيب المعتق يوم أعتق وله قيمة النصف معيبا يوم الحكم ، فإن مات العبد قبل الاستكمال أو قال الشريك : أنا أعتق ولا أقوم أو كان المعتق معسرا اتبع المعتق بقيمة العيب في ذمته ولو لم يكن للشريك مقال لموضع عيب العتق لم يكن [ ص: 3783 ] للقول : إنه يقوم على أنه لا عتق فيه- وجه ومقتضى الحديث في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "فقد عتق منه ما عتق" ، على ما يتعلق به من حق الله تعالى دون ما يتعلق به من حق الشريك ، ولا يقوم عليه لأجل ذلك العيب الذي أدخل مع العسر فيستكمل العبد العتق فقال محمد : ذلك له ، وحمل الحديث في ترك الاستكمال لحق الشريك خاصة .

وقال غيره في كتاب أمهات الأولاد من المدونة : ليس ذلك له ، وهو أحسن لأن الأصل لو لم يرد الحديث ألا شيء له على المعتق سوى القدر الذي تقرب به إلى الله سبحانه ، فأمر باستكمال النصيب الآخر مع اليسر وإذا كان معسرا لم يلزمه سوى ما تقرب به إلى الله ولا تعمر ذمته بسواه ، وقد حمل بعض أهل العلم الحديث على الندب ، وإن كان موسرا بالبعض قوم عليه بقدر ما هو موسر به إلا أن يشاء الشريك أن يعتق ذلك الجزء فذلك له ولا شيء عليه غيره .

فصل

ويباع عليه في الاستكمال شوار بيته وفضول ثيابه ، ويترك له ثياب ظهره وعيشه الأيام .

وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط : إذا ادعى الفقر ، وليس له مال ظاهر سئل جيرانه ومن يعرفه ، فإن قالوا : لا نعرف له شيئا ، حلف وترك . [ ص: 3784 ]

قال سحنون : وجميع أصحابنا على ذلك إلا في اليمين ، فإنه لا يستحلف عندهم .

قال الشيخ : وهذه المسألة أصل في كل ما لم يكن أصله معاوضة أنه لا يضيق الأمر فيه كالمداينة ، وإذا كان موسرا ، فلم يقوم عليه حتى عسر سقطت القيمة .

واختلف إذا كان معسرا فلم يحاكمه حتى أيسر ، فقال : كان مالك يقول : يقوم عليه ، قال : ثم قال : إذا كان يعلم الناس والعبد والشريك بعسره فلا شيء عليه . وهو أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أعتق عبدا وله مال" ثم قال : "وإلا فقد عتق منه ما عتق" فعلق الحكم بما يكون يوم العتق من اليسر والعسر ، وعلى هذا يجري الجواب إذا كان موسرا ، ثم أعسر بأمر بين ثم أيسر ، فلا يستكمل عليه ولو شك فيه وقال : كنت معسرا ومعلوم أن الذي في يديه فائدة كان القول قوله ، ولا يستكمل في الفائدة; لأنه مال محدث فلا يقوم فيه للشك فيما قبله ، هل كان له مال والقيمة مع اليسر على النقد ، فإن تراضيا بالقيمة مؤجلة ، لم يجز ودخله الربا وفسخ الدين في الدين ، وإن تراضيا بالتأخير مع العسر جاز; لأنه بيع باختيار ، وإن أعتق المتمسك بعض [ ص: 3785 ] نصيبه بتلا أيضا أكمل بقية نصيبه عليه ، فإن لم يستتم عليه حتى مات استتم على الأول .

قال الشيخ : القياس ألا يعتق منه على الثاني إلا ما عتق ويقوم الباقي على الأول; لأن الثاني يقول : كان لي أن أقوم عليك الجميع ، فأنا أسقط حقي في البعض وأقوم ما بقي .

وأيضا فإنه قد اختلف في العبد يكون بين ثلاثة نفر فيعتق الأول وهو معسر ، ثم يعتق الثاني وهو موسر أنه لا قيمة على الثاني ، وعلى هذا لو كان العبد بين اثنتين فأعتق أحدهما نصيبه وهو معسر ، ثم أعتق الثاني نصف نصيبه وهو موسر أنه لا يستتم عليه ، وإن أعتق الأول وهو موسر بنصف نصيب صاحبه كان من لم يعتق بالخيار بين أن يعتق نصف نصيبه وهو القدر الذي استحق العبد أن يعتق منه على الأول ، ولا يستكمل عليه نصيبه; لأنه قد يسبق فيه العتق ، ولم يرده بعتقه هذا فسادا ، وبين أن يقوم عليه بقدر ما هو موسر به ويتمسك بالباقي رقيقا . [ ص: 3786 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية