الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حكم التقويم في حالة غيبة من يعنى به من معتق أو عبد أو شريك . . ]

                                                                                                                                                                                        التقويم يجب إذا كان المعتق والعبد والمال والشريك حضورا ، وإن كان أحد ذلك غائبا قريب الغيبة أخر التقويم حتى يعذر إلى المعتق إن كان هو الغائب أو يحضر العبد أو المال الذي يقوم فيه ويكاتب الشريك الذي لم يعتق [ ص: 3788 ] إن كان هو الغائب فيعتق أو يقوم . ويفترق الجواب إذا بعدت الغيبة ، فإن غاب السيد بعدما أعتق ، وعلمت حياته وخلف يسيرا قوم ، وإن غاب العبد أخر التقويم حتى يقدم ، فإن كان المال هو الغائب لم يقوم ولم يمنع الشريك من البيع .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا قدم المال هل ينقض البيع وألا ينقض البيع أحسن ، وإن غاب الشريك الذي لم يعتق قوم العبد وأكمل له العتق ولا مقال للغائب إن قدم فقال : أنا أعتق ولا أقوم ، وإن فلس المعتق بيع للغرماء ولم يستكمل العتق .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا مات المعتق ، فقال مالك في المدونة : لا يستكمل إذا لم يعلم إلا بعد موته ، قال سحنون في كتاب ابنه : وهذا قول أصحابنا ولو مات مكانه أو أفلس . يريد : بفور العتق .

                                                                                                                                                                                        وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك في كتاب ابن حبيب : إذا كان جميع العبد له وأعتق بعضه في صحته فإن غافصه الموت أعتق عليه بقيته وإلا لم يعتق منه إلا ما أعتق إلا أن يقام عليه في المرض . فأجريا حكم الاستكمال حكم الهبات أنها إن حيزت في الحياة صحت ، وإن لم تحز وفرط الموهوب في القبض سقطت ، وإن لم يفرط كان فيها قولان ، وكذلك الاستكمال إن استكمل في الصحة كان كالحوز في الهبة ، وإن لم يستكمل وكان تفريطا لم يستكمل .

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا أعتق شركا له في عبد ، ولم يقوم عليه حتى مات ، فقال [ ص: 3789 ] مالك في كتاب محمد : إن مات بحدثان ذلك قوم عليه ، وعتق من رأس ماله ، ولا يقوم في ثلثه ، قال أشهب : وذلك بخلاف إذا كان جميعه له ، فلم يعلم به حتى مات أنه لا يستكمل عليه ، وإن مات بحدثان عتقه .

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا قيم عليه في المرض ، فقال مالك وابن القاسم في المدونة : يعتق الباقي في ثلثه ، وإن لم يعلم بذلك حتى مات لم يعتق منه إلا ما كان عتق . قال سحنون : وقال بعض الرواة : إذا لم يستكمل عليه نصيب صاحبه حتى مرض لم يستكمل وبقي الباقي رقيقا ، وسواء كان جميعه له أو كان شركة بينه وبين غيره .

                                                                                                                                                                                        قال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط : المرض والموت في هذا سواء ولا يجعل في ثلثه قال : وإنما يكون في ثلثه ما أحدثه في المرض . وأما إذا كان في الصحة وجاء المرض وفرط في ذلك شريكه صار بمنزلة من وهب أو تصدق على صحيح فلم يقبض ذلك حتى مرض ، فلا يقبل ذلك بعد المرض إلا أن يصح ، وإن مات بطلت وكذلك العتق .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : إن تراخى الاستكمال عن العتق حتى مرض لم يعتق الباقي من رأس المال . [ ص: 3790 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يكون في الثلث ، وإن كان المرض بعد العتق كان في الاستكمال ثلاثة أقوال؟ هل يكون في الثلث ، أو من رأس المال ، أو ساقطا لا يكون في الثلث ولا رأس المال؟ فعلى قول مالك عند ابن حبيب : يعتق من رأس المال ، وسواء كان العتق في عبد جميعه له أو شركة بينه وبين غيره ، وعلى قول أشهب يستكمل من رأس المال إذا كان شركة بخلاف أن يكون جميعه له ، وعلى قول الغير في المدونة : لا يعتق من ثلث ولا من رأس مال .

                                                                                                                                                                                        قال : واختلف فيما يصنع في نصيب الشريك في حال المرض ، فقال أصبغ في كتاب محمد : يحكم بالاستكمال ويوقف المال لحياته أو موته وينفذ الحكم عليه في ذلك إن صح لزمته تلك القيمة ، وإن مات أخرجت تلك القيمة من ثلثه أو ما حمل الثلث وهذا على الوصايا وما أعتق أولا فمن رأس المال فيعتق بما بقي منه قدر ما يكون عليه من ثلث ربعه أو ثلثه أو ما كان من ذلك ويرق ما بقي وينفذ الحكم بذلك ، فإن صح مضى عتقه ، وإن مات أخرجت تلك القيمة من ثلثه مبداة على جميع الوصايا .

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الله بن عبد الحكم : لا يقوم ولكن يوقف أبدا ، وإن طال مرضه وأضر بأشراكه حتى يموت فيعتق من ثلثه ، أو يصح فمن رأس ماله إلا أن يعتق الشريك . [ ص: 3791 ]

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط : الشريك مخير بين أن يقوم ويدفع القيمة إلى الشريك ويكون العبد بيد المريض فيعتق في ثلثه أو ما حمل الثلث منه أو لا يقوم; لأنه لا يدري أيعتق أم لا؟ ولكن لا يبيعه فإن أعتق شقصا منه في مرضه وعلم بذلك في مرضه حكم عليه بالاستكمال وبقي الأمر فيه موقوفا ، فإن صح كان من رأس المال ، وإن مات كان في الثلث .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب : إذا أعتق حصته منه في مرضه بتلا فلا يقوم عليه بقيته حتى ينظر أيصح أم يموت؟ فإن صح قوم عليه نصيب صاحبه ، وإن مات لم يقوم عليه نصيب صاحبه ، وإن حمله الثلث من قبل أن التقويم لا يلزم إلا في عبد يمضي إلى حرية ناجزة أو إلى أجل قريب لا يردها دين ، وهذا يرده كالدين إلا أن تكون له أموال مأمونة فيقوم حينئذ ويعجل العتق مكانه قبل أن يموت ، وإن أوصى بعتق بعض عبد لبعد الموت لم يقوم كانت له أموال مأمونة أم لا؟ قال مالك في المبسوط : لأن ماله قد صار لغيره ، فكيف يعتق ما بقي من العبد على قوم آخرين ليسوا [ ص: 3792 ] هم الذين ولوا عتاقته إلا أن يوصي بعتق ما بقي منه في ماله ، فإن ذلك لازم لشركائه ، وإن أبوا . وحكى ابن الجلاب قولا آخر إنه يستكمل في ثلثه وإن لم يوص بذلك .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية