صفحة جزء
فصل [فيمن حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكن فيها]

وقال فيمن حلف، لا سكن هذه الدار، وهو ساكن فيها: يخرج مكانه، وإن كان في ليل لم يمهل، حتى يصبح، إلا أن ينوي ذلك، ثم يتعجل ما [ ص: 1735 ] استطاع، فإن لم يجد إلا بالغلاء أو ما لا يوافقه، فإنه ينتقل إليه، فإن لم يفعل; حنث .

وهذا على مراعاة الألفاظ، ومن راعى العادة كان له أن يمهل حتى يصبح، وينتقل إلى ما ينتقل إليه مثله.

وقال أشهب في كتاب محمد : لا يحنث في أقل من يوم وليلة ; يريد: حتى يستكمل يوما وليلة، فحينئذ يحنث.

وقال أصبغ : حد المساكنة بعد اليمين يوم وليلة، فإن سكن أكثر حنث .

وقول مالك محتمل أن يكون القصد من الحالف في مثل ذلك اجتنابها، وأن زيادة السكنى وإن قل، سكنى لما كان مضافا إلى ما تقدم.

وراعى أشهب وأصبغ ما يقع عليه اسم سكنى لو ابتدأ سكناها.

ولو حلف لا أسكنها، وليس هو فيها; لم يحنث عند أشهب ; إن أقام ما دون يوم وليلة، ولم يحنث عند أصبغ ، إلا أن يزيد على يوم وليلة.

ولو حلف ليسكنها; لبر على قول أشهب إذا أقام يوما وليلة، ولم يبر عند أصبغ ، إلا أن يزيد على ذلك . وعلى مراعاة المقاصد لا يبر إلا أن يطول مقامه، وما يرى أن الحالف يقصده. ولو حلف لينتقلن، لم يحنث بالتمادي في السكنى.

قال في كتاب محمد : فإن أقام ثلاثة أيام يطلب منزلا فلم يجد، أرجو أن لا [ ص: 1736 ] شيء عليه. قيل: فإن أقام شهرا؟ قال: إن توانى في الطلب خفت أن يحنث.

وفي الواضحة: لا يحنث، وإن أخر الانتقال .

وهذا هو الأصل فيمن حلف ليفعلن، إلا أن يكون قصد الحالف على الانتقال، إنما هو كراهية البقاء. فإذا تراخى عن القدر الذي أراد حنث، فإن حلف لا أسكنها، فخرج، ثم رجع فسكن، حنث.

وإن حلف لينتقلن، فانتقل، ثم رجع; لم يحنث; لأن الأول حلف، أن لا توجد منه سكنى، فمتى وجد ذلك منه; حنث. والآخر حلف ليفعلن، فإذا فعل ذلك مرة; بر.

قال مالك في كتاب محمد : إذا خرج يقيم شهرا . ولو أقام خمسة عشر يوما; لأجزأه. وقال محمد : إن حلف لينتقلن من هذا البلدة خرج إلى موضع تقصر فيه الصلاة، ويقيم شهرا. قال: وهذا استحسان، والقياس أن يخرج إلى ما يجب عليه فيه إتيان الجمعة، فيقيم ما قل، ثم يرجع . ولو حلف ليسافرن; لم يبر إلا بمدة تقصر فيها الصلاة.

وعلى قول محمد إن حلف لينتقلن من هذه الدار، فرجع عن قرب; لم يحنث.

ومن حلف لا أسكن هذه الدار، انتقل بنفسه وعياله ومتاعه. وإن نقل متاعه دون عياله حنث. [ ص: 1737 ]

واختلف إذا نقل عياله دون متاعه: فقال ابن القاسم في المدونة: يحنث .

وقال في كتاب محمد : إلا أن يتصدق به على صاحب المنزل، فلا يحنث. وإن ترك ما لا حاجة له به مثل الوتد والمسمار; لم يحنث تركه عمدا أو نسيانا .

وقال أشهب : إن ترك متاعه; لم يحنث ; وأراه ذهب في ذلك لقول الله تبارك تعالى: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم [النور: 29] فنفى عنه اسم السكنى إذا لم يكن فيها إلا المتاع.

وكذلك، إن حلف لا أسكنها، فاختزن فيها، حنث عند ابن القاسم ، ولم يحنث عند أشهب .

وقيل: إن حلف ليسكننها، لم يبر، إلا أن يسكنها بنفسه وعياله ومتاعه، فإن لم يسكن بمتاعه وعياله حنث بما لا يبر به. وأرى أن يبر، وإن لم يسكن بمتاعه.

وإن حلف لا يسكنها، وهو فيها بكراء أو بعارية، وكان السبب من مالك الدار، فأبقى متاعه; حنث; لأن القصد رفع منته، أو الخروج من كرائه.

وإن كان السبب اختلافه مع جيرانه; لم يحنث بترك متاعه.

وكذلك، إن كان في سكن يملكه، فتقاول مع جيرانه; لم يحنث بترك متاعه. [ ص: 1738 ]

وإن اكترى هناك مخزنا، لم يحنث.

وإن كان سبب اليمين اختلافه مع من في ذلك المسكن لما يقع بين النساء والصبيان; لم يحنث بترك متاعه. وإن كان لأنه خونه، حنث.

وقد يستخف بقاء المضطر يكون له فيها الطعام; لأنه ليس من العادة الانتقال به.

ومن حلف لينتقلن من هذه الدار، لم يبر بنقل عياله، ومحمله على نقل جميع ما فيها، وهو في هذا أشد من يمينه أن يسكنه.

وإن حلف إن انتقل منه، فنقل عياله أو متاعه; حنث.

وإن حلف لا أسكن هذه الدار لأمر كرهه منها، ثم بيعت، فسكنها، حنث.

وإن كان السبب المالك لها، لم يحنث. وإن حلف على رجل، لا دخل هذه الدار، وقد ابتدأ في الدخول; حنث إن تمادى.

واختلف إن حلف بعد أن استقر في الدار: فقال ابن القاسم : لا شيء عليه إن لم يخرج. وحمل اليمين على دخول آخر غير هذا.

وقال أشهب في كتاب محمد : إن لم يخرج مكانه حنث .

واتفقا إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها، فلم ينزل، أو لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه، فلم ينزعه، أنه حانث .

وقال سحنون: إذا قال لزوجته، وهي حائض: إذا حضت، فأنت طالق; [ ص: 1739 ] فهي على حيض مستقبل.

فمن قال بقول ابن القاسم ; حنثه ساعة تكلم ، ومن قال بقول أشهب ; لم يحنثه حتى تحيض في المستقبل. قال أشهب : لأن الحيض يكون، ولا يكون. قال: ولو قال لها، وهي حامل: إذا حملت، فأنت طالق. أو وهي نائمة: إذا نمت، فأنت طالق; فإنما هو على حمل مستقبل، ونوم مستقبل . وقد ذكرت ذلك في كتاب الطلاق.

التالي السابق


الخدمات العلمية