الركن الثاني : المنفعة المقصودة بالإجارة ، وهي العمل ، وحده إن كان : عمل مباح معلوم يلحق العامل فيه كلفة ويتطوع به الغير عن الغير ، فيجوز الاستئجار عليه
(ومنها: أن يقدر في إجارة الدور والحوانيت مبلغ الأجرة، فلو قال: لكل شهر دينار، ولم يقدر أشهر الإجارة كانت المدة مجهولة، ولم تنعقد الإجارة) قال أصحابنا: إن أجر دارا كل شهر بدرهم صح في شهر فقط، إلا أن يسمي الكل; لأن كل إذا دخلت على مجهول وأفراده معلومة انصرف إلى الواحد; لكونه معلوما، وفسد في الباقي; للجهالة، كما إذا باع صبرة من طعام، كل قفيز بدرهم، فإنه يجوز في قفيز واحد، بكذا كذا هنا، ولا معنى لقول من قال: إن العقد صحيح في الشهر الثاني، والثالث; لتعامل الناس; لأن التعامل مخالف للدليل، فلا يعتبر، ثم إذا تم الشهر كان لكل منهما نقض الإجارة; لانتهاء العقد الصحيح، بشرط أن يكون الآخر حاضرا، وإن كان غائبا لا يجوز بالإجماع .
وإن استأجر سنة صح، وإن لم يبين قسطا لكل شهر، كما إذا استأجر شهرا ولم يبين حصة كل يوم، فإذا صح وجب أن يقسم الأجر على الأشهر على السواء .
(الركن الثاني: المنفعة المقصودة بالإجارة، وهي العمل، وحده: أن كل عمل مباح يلحق العامل فيه كلفة) أي: مشقة (ويتطوع به الغير عن الغير، فيجوز الاستئجار عليه) ولفظ الوجيز: وبالجملة: فكل منفعة، متقومة، معلومة، مباحة، تلحق العامل فيها كلفة، ويتطوع به الغير عن الغير، يصح إيراد العقد عليها، أي: فهي شرائط خمسة: التقوم، وكونها معلومة، وكونها مباحة، ولحوق الكلفة، والتطوع عن الغير، وسيأتي تفصيل ذلك قريبا .
وشرط nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في الإجارة: أن تكون المنفعة معلومة كالأجرة; لأن جهالتهما تفضي إلى المنازعة، وحكم الإجارة وقوع الملك في البدلين ساعة فساعة; لأن المعقود عليه، وهي المنفعة معدومة، والقياس: أن لا يجوز; لما فيها من إضافة العقد إلى ما سيوجد، إلا أنها أجيزت; للضرورة; لشدة الحاجة إليها، وهي تنعقد ساعة فساعة، على حسب حدوث المنافع، والعين المستأجرة أقيمت مقام المنفعة في حق إضافة العقد إليها; ليرتبط الإيجاب بالقبول، فعمله يظهر في المنفعة ملكا، واستحقاقا، حال وجودها، وهذا كالمسلم فيه، فإن الذمة التي هي محل المسلم فيه أقيمت مقام المعقود عليه في حق جواز السلم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: تجعل المنافع المعدومة موجودة حكما، ضرورة تصحيح العقد; لأن العقد يستدعي محلا ينعقد فيه; إذ الشرع حكم بالانعقاد، وهو وصف العقد المنعقد، فحكمنا بوجود المحل; لينعقد العقد فيه; وهذا لأن العقد قد لزم، واللزوم وصف يثبت بالعقد، فحكمنا بوجود المحل لينعقد العقد فيه، فأنزلنا المعدوم موجودا لذلك .
وقال أصحابنا: ارتباط الإيجاب بالقبول صفة الكلامين، والمحل يحتاج إليه للحكم، وإنما اشترط وجود المحل عند الارتباط; لأن الانعقاد لأجل الحكم، فلا بد من تعيين المحل حتى يعمل العقد فيه، فجعل الدار خلفا عن المنفعة في حق إضافة العقد إليها، ثم بعد ذلك عمل هذا اللفظ يتراخى إلى حين وجود المنفعة، وحكم العقد وهو الملك يقبل الفصل عن العقد، كما في المبيع بشرط الخيار، قالوا: وهذا أولى مما ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي; لأنه تغيير أمر حكمي بدليل شرعي، وما ذهب إليه قلب الحقائق; لأن المنافع معدومة حقيقة، والمنفعة لا يتصور وجودها في لحظة، فلا يمكن جعلها موجودة حكما; ; لأن الشرع يرد بتقدير المستحيل; ولهذا لو أضاف العقد إلى المنفعة لا يجوز، ولو أضافه إلى العين جاز بالإجماع، والله أعلم .