والإحسان سبب الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ولا يعد من الغفلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة فلا ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد قال الله وأحسن كما أحسن الله إليك وقال عز وجل : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وقال سبحانه : إن رحمت الله قريب من المحسنين ونعني بالإحسان : فعل ما ينتفع به المعامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضل منه ، فإن الواجب يدخل في باب العدل ، وترك الظلم ، وقد ذكرناه
(الباب الرابع: في الإحسان في المعاملة) *
(وقد أمر الله تعالى بالعدل، والإحسان جميعا) كما سيأتي في الآية، وكل منهما مأمور به في المعاملات (فالعدل سبب النجاة فقط، وهو يجري من النجاة مجرى سلامة رأس المال، والإحسان سبب الفوز) هو إدراك المأمول (ونيل السعادة) الأبدية (وهو يجري من النجاة مجرى الربح) وهذا هو العدل المطلق، وهو الذي يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا، كالإحسان للمحسن إليك، وكف الأذى عمن كف أذاه عنك، وإنما قلنا ذلك; فإن من العدل ما هو مقيد، وهو الذي يعرف كونه عدلا بالشرع، ويمكن نسخه في بعض الأزمنة، كالقصاص، وأروش الجنايات، وأخذ مال المرتد .
(ولا يعد من العقلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس المال) الذي هو العدل، دون الربح (فكذا في معاملات الآخرة) لا يقنع العاقل بالربح، مع ضياع رأس المال (فلا ينبغي للمتدين) أي: صاحب الدين، المحافظ عليه (أن يقتصر على العدل) الذي هو الأمر المتوسط بين الإفراط والتفريط (واجتناب) أنواع (الظلم) والتعدي في الحقوق (ويدع) أي: يترك (أبواب الإحسان) الذي هو فعل ما ينبغي فعله من المعروف (وقد قال) الله (تعالى) وهو أصدق القائلين: ولا تنس نصيبك من الدنيا (وأحسن كما أحسن الله إليك) ولا تبغ الفساد في الأرض (وقال عز وجل: إن الله يأمر بالعدل والإحسان) وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (وقال تعالى: إن رحمت الله قريب من المحسنين ) ، ففي الآية الأولى: إحسان في [ ص: 495 ] مقابلة إحسان، وفي الثانية: إحسان مطلق، وفي الثالثة: يحتمل الإنعام على الغير، ولو لم يكن في مقابلة الإحسان، ويحتمل الإحسان في الفعل، وذلك إذا علم علما محمودا، وعمل عملا حسنا .
(ونعني بالإحسان: فعل ما ينتفع به المعامل) من المعروف (وهو غير واجب عليه) شرعا (ولكنه تفضل منه، فإن الواجب يدخل في باب العدل، وترك الظلم، وقد ذكرناه) فعلم منه أن بين العدل والإحسان عموما وخصوصا من وجه، فقد يكون إحسانا، وهو العدل المطلق، كما تقدم قريبا .