(المعرف إياهم في ذاته) تعريفا لا يشوبه شك ولا تردد (إنه) جل وعز (واحد) أكثر العلماء أن الواحد والأحد بمعنى واحد، وقال الأزهري: الفرق بين الواحد والأحد في صفاته تعالى أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه العدد، والواحد: اسم لمفتتح العدد، وتقول: ما أتاني منهم واحد، وجاءني منهم واحد، والواحد بني لانقطاع النظير وعوز المثل، وقال بعضهم: الواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له ألبتة، ثم يطلق في كل موجود، حتى إنه ما من عدد إلا ويصح وصفه به، فيقال: عشرة واحدة، ومئة واحدة، وقال الراغب: الواحد لفظ مشترك يستعمل في ستة أوجه:
الأول: ما كان واحدا في الجنس أو في النوع، كقولنا: الإنسان والفرس واحد في الجنس، وزيد وعمرو واحد في النوع .
الثاني: ما كان واحدا بالاتصال، إما من حيث الخلقة، كقولنا: شخص واحد، وإما من حيث الصناعة، كقولنا:حرفة واحدة .
الثالث: ما كان واحدا لعدم نظيره، إما في الخلقة، كقولنا: الشمس واحدة، وإما في دعوى الفضيلة، كقولنا: فلان واحد دهره، مثل نسيج وحده .
الرابع: ما كان واحدا لامتناع التجزيء فيه، إما لصغره، كالهباء، وإما لصلابته، كالألماس .
الخامس: للمبدأ، إما لمبدأ الأعداد، كقولنا: واحد، اثنان، أو لمبدأ الخط، كقولنا: النقطة الواحدة، والوحدة في كلها عارضة .
قال: وإذا وصف الله تعالى به فمعناه أنه لا يجري عليه التجزيء ولا التكثر، وقال المصنف في المقصد الأسنى: الواحد هو الذي لا يتجزأ، أو لا يتثنى، أما الذي لا يتجزأ فكالجوهر الواحد الذي لا ينقسم، فيقال: إنه واحد، بمعنى أنه لا جزء له، وكذلك النقطة لا جزء لها، والله تعالى واحد، بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام في ذاته، وأما الذي لا يتثنى فهو الذي لا نظير له، كالشمس مثلا؛ فإنها وإن كانت قابلة للانقسام بالفعل بتجزئة في ذاتها; لأنها من قبيل الأجسام، فهي لا نظير لها، إلا أنه يمكن أن يكون لها نظير .
فإن كان في الوجود موجود ينفرد ويتوحد بخصوص وجوده تفردا أو وحدة (لا شريك له) أي: لا يتصور أن يشاركه غيره فيه أصلا، فهو الواحد المطلق أزلا وأبدا، والعبد إنما يكون واحدا إذا لم يكن له في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير، وذلك بالإضافة إلى أبناء جنسه، وبالإضافة إلى الوقت؛ إذ يمكن أن يظهر في وقت آخر مثله، وبالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع، فلا وحدة على الإطلاق إلا لله -عز وجل. اهـ .
وذكر الشيخ أبو منصور البغدادي في الفرق بين الواحد والأحد أقوالا، منها [ما] قد تقدم ذكرها آنفا، ومنها ما لم يذكر، فمن ذلك: قال بعض المتكلمين: إنه واحد في ذاته، أحد في صفاته. وقال آخرون: إنه واحد بلا كيف، أحد بلا حيث. وقال آخرون: وصفه بأنه الواحد يدل على أوليته وأزليته; لأن الواحد في الأعداد، والأحد في ذاته؛ إشارة إلى توحيده في صفاته، وقال [ ص: 20 ] آخرون: إنه واحد بلا شريك في الصنع؛ لانفراده بالخلق والاختراع، ولذلك قال الله تعالى: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار أحد بنفي الابتداء والانتهاء والتشبيه عنه؛ لقوله تعالى: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فلما نفى الشرك من الصنع والاختراع وصف نفسه بأنه واحد، ولما نفى عن نفسه الابتداء والانتهاء، ونفى التشبيه، وصف نفسه بأنه أحد .
(فرد لا مثل له) ، يطلق الفرد في أوصافه تعالى، ويراد به أنه يخالف الأشياء كلها في الازدواج المنبه عليه بقوله: ومن كل شيء خلقنا زوجين ، وقيل: هو المستغني عن كل شيء، المنبه عليه بقوله: إن الله لغني عن العالمين ، وإذا قيل: إنه منفرد بوحدانيته فمعناه أنه مستغن عن كل تركيب وازدواج، تنبيها على أنه بخلاف كل موجود، والمثلية عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أي معنى كان، وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة، وسيأتي لذلك مزيد تحقيق .
(تنبيه)
قال nindex.php?page=showalam&ids=16392أبو منصور البغدادي: قد أجمعت الأمة على إطلاق اسم الفرد على الله تعالى، وخالفهم عباد بن سليمان الصيمري، من المعتزلة، فإنه زعم أنه لا يجوز تسميته تعالى به، وقال: إنما يصح إطلاق لفظ الفرد على الواحد الذي يجوز أن يكون له زوج; لأنهم يقولون في العدد: فرد وزوج، وقد أجمعت الأمة قبل ظهور عباد على إطلاق هذا الاسم عليه في قولهم: يا واحد يا فرد، فلا اعتبار بخلاف المبتدع الضال لأهل الإجماع مع صحة معناه فيه; لأن الفرد هو الذي لا يتنصف، والله سبحانه وتعالى ليس له نصف ولا شيء من الأجزاء والأبعاض، ويلزم على قوله المتقدم ألا يسموا الإله واحدا; لأن الحساب قرنوا الواحد بالاثنين وأكثر منه، فقالوا: واحد واثنان، كما قالوا: فرد وزوج .