الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
لا يقبل الانفصال والافتراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق وأن موسى صلى الله عليه وسلم سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض .

وإذا كانت له هذه الصفات كان حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما بالحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام لا بمجرد الذات .

التالي السابق


(لا يقبل الانفصال والافتراء بالانتقال إلى القلوب والأوراق) كما لا يقبل العدم ولا ما في معناه من السكوت والتجديد، ولا البعض ولا الكل ولا التقديم ولا التأخير ولا اللحن ولا الإعراب ولا سائر التغيرات (وإن موسى -صلى الله عليه وسلم- سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف) ، قال الإمام أبو المعالي: مذهب أهل الحق جواز سماع ما ليس بحرف ولا صوت، وقد تقدم ذلك في التأويلات لأبي منصور الماتريدي أن موسى -عليه السلام- سمع صوتا دالا على كلام الله تعالى، وخص بكونه كليم الله; لأنه سمع من غير واسطة الكتاب والملك، لا أنه ليس فيه واسطة الحروف والصوت .

قلت: وإليه ذهب أبو إسحاق الإسفراييني من الأشاعرة، وجمهور الأشاعرة ذهبوا إلى أن الكلام القديم سمع لا بواسطة ما يدل عليه، وقد نقل عن الأستاذ أنه قال: اتفقوا على أنه لا يمكن سماع غير الصوت، إلا أن منهم من أطلق القول بذلك، ومنهم من قال: لما كان المعنى القائم بالنفس معلوما بواسطة الصوت كان مسموعا، فالاختلاف لفظي .

(كما يرى الأبرار) وهم الأخيار من العباد (ذات الله تعالى في الآخرة) رؤية تليق بذاته تعالى (ومن غير جوهر ولا عرض، وإذا كانت له هذه الصفات العلية كان حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما بالحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام) الأزليات (لا بمجرد الذات) أشار بذلك إلى أن صفات المعاني زائدة على الذات العلية بأن المعنى الذي يفهم من العلم أبلغ من القدرة، الذي هو التمكن من الفعل أو الترك، وكذا باقي صفات المعاني؛ فإنها صفات ثابتة موجودة في نفسها، قديمة باقية بالذات العلية، وهي كمالات، ونقائضها نقائص، والله منزه عن النقائص، ولا يضرنا تعدد القديم، حيث كان صفة للذات، وإنما الممنوع تعدد ذات قديمة، ونحن لا نقول بذلك، ثم إن تلك الصفات سبعة، كما ساقها المصنف آخرا إجمالا، وأما في التفصيل فقد أدرج صفة الحياة عند ذكره صفة القدرة بناء على أصولهم القديمة في حدها بأنها ما كان شرطا في وجود القدرة؛ لإجماعهم على أن العلم والقدرة والإرادة لا يصح وجود شيء منها فيما ليس بحي .

وزعم بعض المعتزلة أن الحياة تفيد معنى القدرة، وأن الحي هو القادر، روي ذلك عن عباد بن سليمان، وذهب أبو عمر المازني، من الكرامية، أن الحياة من جملة القادر; لأن القدرة اسم جامع لكل صفة لا تصح الحياة دونها، فالحياة من جملتها، فتأمل .

ثم إن صفات المعاني ليست عين الذات، ولا غير الذات; لأنها لو كانت عينها لزم الاتحاد في المفهوم بلا تفاوت أصلا، ولو كانت غيرها لزم الانفكاك بينهما، وأيضا العينية بالاتحاد يلزم منها أن يكون العلم مثلا سمعا وقدرة، والكلام بصرا، وهذا خبط عظيم .



ثم إن صفات المعاني تنقسم أربعة أقسام: قسم لا يتعلق بشيء، أي: لا يطلب أمرا زائدا على القيام بمحلها، وهي الحياة، وقسم يتعلق بالممكن فقط، وهما القدرة والإرادة، وقسم يتعلق بجميع الموجودات، وهما السمع والبصر، وقسم يتعلق بجميع أقسام الحكم العقلي، وهما العلم والكلام، وإن شئت قلت: صفات المعاني تنقسم ثلاثة أقسام: قسم لا يتعلق بنفسه، ولا بغيره، وهي الحياة، وقسم لا يتعلق بنفسه، ويتعلق [ ص: 32 ] بغيره، وهما القدرة والإرادة، وقسم يتعلق بنفسه وغيره، وهو العلم والكلام والسمع والبصر، وبين متعلق القدرة والإرادة، وبين متعلق السمع والبصر عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في الممكن الموجود، وتنفرد القدرة بالممكن المعدوم، وينفرد السمع والبصر بالواجب الموجود، وبين متعلق السمع والبصر والعلم والكلام عموم وخصوص مطلق، يشاركان السمع والبصر في الموجود الواجب والجائز، ويزيدان عليهما بالمستحيل والممكن المعدوم، وبين متعلق القدرة والإرادة والسمع والبصر، ومتعلق العلم والكلام عموم وخصوص مطلق، فالعلم والكلام يشاركان القدرة والإرادة في الممكن، ويشاركان السمع والبصر في الموجود الواجب والجائز، ويزيدان على القدرة والإرادة بالواجب المستحيل، ويزيدان على السمع والبصر بالمستحيل والممكن المعدوم .




الخدمات العلمية