والقول الثاني: أن الصمد هو الذي لا جوف له، قاله nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي، ففيه إبطال قول المشبهة من اليهود والهشامية الذين زعموا أن معبودهم صورة مجوفة، وقالوا: نصفه الأعلى مجوف، ونصفه الأسفل مصمد، كما ذهب إليه هشام وسالم، فأخبر الله أنه صمد، ليس له جوف ولا صورة ولا تركيب، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
والقول الثالث: ما ذهب إليه أهل اللغة بلا اختلاف أن الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد، والمصمود في النوائب الذي يصمد إليه فيها، قيل: هو السيد الذي صمد له كل شيء، أي: قصد قصده، وتأويل صمود الأشياء لله تعالى دلالة كل شيء عليه بأنه الصانع الأحد القديم الماجد، من عرفه قصده بالرغبة إليه والرهبة منه، واقتصر المصنف في المقصد الأسنى من معانيه على الذي يصمد إليه في الحوائج، ويقصد إليه في الرغائب; إذ ينتهي إليه منتهى السؤدد، ثم قال: من جعله الله مقصدا لعباده في مهمات دينهم ودنياهم، وأجرى على لسانه ويده حوائج خلقه، فقد أنعم عليه بحظ من معنى الوصف; لكن الصمد المطلق هو الذي يقصد إليه في جميع الحوائج، وهو الله سبحانه وتعالى. اهـ .
وقال الشيخ الأكبر في "حقائق الأسماء": الصمد هو الذي يلجأ ويقصد إليه في الحوائج والنوائب، فصمدية الحق من حيث إنه ما من شيء إلا عنده خزائنه، والخزائن غير متناهية، لكن أقسام كلياتها ترجع إلى العلوية والسفلية والغيبية والشهادية والثبوتية والوجودية، وكلها عند الحق، ومفاتيحها بيده، يفتحها لمن شاء، إذا شاء، بما شاء .
ثم أطال الكلام وقال: ولما كانت الكفايات والافتقار موزعة على أفراد أشخاص خزائن الوجود فلكل عين من أعيان الموجود حظ من الصمدية فيما لا يظهر إلا به، ولذلك نهينا أن نصمد في صلاتنا إلى السترة صمدا، وهو إشارة إلى الغيرة الإلهية، وأنه لا ينبغي للعبد أن يصمد صمدا إلا إلى الصمد المطلق عز سلطانه. اهـ .
بقي شيء أشار له nindex.php?page=showalam&ids=16392أبو منصور البغدادي، وهو أنه إن كان الصمد بمعنى السيد الذي انتهى إليه [ ص: 21 ] السؤدد، فيكون من صفات الذات، وإن كان بمعنى من يصمد إليه في النوائب، كان من صفاته الفعلية، وإذا قلنا: إنه الذي لا جوف له، والذي لا يطعم، كان من صفاته الأزلية التي استحقها لنفسه، وكان في الأزل صمدا على هذا التأويل (منفرد لا ند له) الانفراد والتفرد والفردية شيء واحد، وليس المطاوعة في الانفراد مرادا، هكذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها متفرد، بالتاء الفوقية، وهو الصحيح; لأن المنفرد بالنون قد منع إطلاقه عليه سبحانه الإمام أبو منصور البغدادي، قال: وقد نطق الكتاب والسنة بأنه تعالى واحد وفي معناه المتوحد والمتفرد; ولذلك قال أصحابنا: إن الإله متفرد بالإلهية، متوحد بالفردانية. اهـ .
والند بالكسر هو المثل المساوي، وقيل: هو أخص من المثل؛ فإن الند هو المشارك للشيء في جوهره، وذلك ضرب من المماثلة؛ فإن المثل يقال في أي مشارك كان، وكل ند مثل، وليس كل مثل ندا، وقيل: لا يقال إلا للمثل المخالف المتساوي، وقيل: هو بمعنى المثل من غير عموم ولا خصوص، وهذا أولى؛ لأن المطلوب النهي عن أن يجعل لله تعالى مثلا على الإطلاق; لأنه لا يلزم من النهي عن الأخص النهي عن الأعم، وقيل: الند هو النظير، وقيل: الضد، قاله أبو عبيدة، وهو ليس كذلك، بدليل قولهم: ليس لله ند ولا ضد، وقال في تفسيره: إنه نفي ما يسد مسده، ونفي ما ينافيه، فدل ذلك على أنهما غيران، وقيل: الند: الاشتراك في الجوهر، والضد هو أن يعقب الشيئان المتنافيان على جنس واحد، والله تعالى منزه عن أن يكون له جوهر؛ فإذا لا ضد له .