وإذا كثر المدبرون فسدت الأمور في الحضر والسفر إلا أن مواطن الإقامة لا تخلو عن أمير عام كأمير البلد .
وأمير خاص كرب الدار .
وأما السفر فلا يتعين له أمير إلا بالتأمير .
فلهذا وجب التأمير ليجتمع شتات الآراء .
ثم على الأمير أن لا ينظر إلا لمصلحة القوم وأن يجعل نفسه وقاية لهم كما نقل عن عبد الله المروزي أنه صحبه أبو على الرباطي فقال على أن تكون أنت الأمير أو أنا فقال بل أنت فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولأبي علي على ظهره فأمطرت السماء ذات ليلة فقام عبد الله طول الليل على رأس رفيقه وفي يده كساء يمنع عنه المطر فكلما قال له عبد الله : لا تفعل يقول : ألم تقل إن الإمارة مسلمة لي فلا تتحكم علي ولا ترجع عن قولك ، حتى قال أبو علي : وددت أني مت ولم أقل له أنت الأمير فهكذا ينبغي أن يكون الأمير .
وتخصيص الأربعة من بين سائر الأعداد لا بد أن يكون له فائدة والذي ينقدح فيه أن المسافر لا يخلو عن رجل يحتاج إلى حفظه وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد في الحاجة واحدا فيبقى في السفر بلا رفيق فلا يخلو عن خطر وعن ضيق قلب لفقد أنس الرفيق ولو تردد في الحاجة اثنان لكان الحافظ للرحل واحدا فلا يخلو أيضا عن الخطر وعن ضيق الصدر .
فإذن ما دون الأربعة لا يفي بالمقصود وما فوق الأربعة يزيد فلا تجمعهم رابطة واحدة فلا ينعقد بينهم الترافق ; لأن الخامس زيادة بعد الحاجة ومن يستغني عنه لا تنصرف الهمة إليه فلا تتم المرافقة معه .
، نعم في كثرة الرفقاء فائدة للأمن من المخاوف .
ولكن الأربعة خير للرفاقة الخاصة لا للرفاقة العامة .
وكم من رفيق في الطريق عند كثرة الرفاق لا يكلم ولا يخالط إلى آخر الطريق للاستغناء عنه .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن الحسن مرسلا: خير الأصحاب صاحب إذا ذكرت الله أعانك وإذا نسيت ذكرك، (فإن nindex.php?page=hadith&LINKID=688530المرء على دين خليله) ، وروى ذلك مرفوعا، وقد تقدم ذلك في كتاب الصحبة (ولا يعرف الرجل إلا برفيقه) فلينظر من يخالل، ومنه أخذ المتنبي قوله:
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فهو عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أيضا وقد أخرجه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه، (وقال: الثلاثة نفر) ولفظ القوت: وقد nindex.php?page=hadith&LINKID=104282نهى -صلى الله عليه وسلم- أن يسافر الرجل وحده وقال: الثلاثة نفر. فهذا يدل أن الحديث المرفوع هو هذا القول: الثلاثة نفر، فتأمل .
قال العراقي: رويناه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي في وصيته المشهورة وهو حديث موضوع والمعروف: nindex.php?page=hadith&LINKID=888428الثلاثة ركب، رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (وقال) أيضا: nindex.php?page=hadith&LINKID=913678 (إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم) هكذا هو في القوت، وقال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود بإسناد حسن، (وكانوا يفعلون ذلك ويقولون: هو أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا هو في القوت وقال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر -رضي الله عنه- قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=674165إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا عليكم أحدكم، ذاك أمير أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم: صحيح على شرط الشيخين .
(وليؤمروا عليهم أحسنهم أخلاقا وأرفقهم بالأصحاب وأسرعهم إلى الإيثار) والبذل (وطلب الموافقة) فإذا أمر فليطيعوه ولا يخالفوه (وإنما يحتاج إلى الأمير) في السفر (لأن الآراء تختلف في تعيين المنازل [ ص: 399 ] والطرق) بحسب القرب والبعد والأمن والخوف (ومصالح السفر ولا نظام إلا من الوحدة ولا فساد إلا من الكثرة) ولفظ القوت: والسياحة لا تحسن إلا على الانفراد والوحدة، فإن اتفق ثلاثة في سياحة بقلب واحد وهم واحد على حال واحد فهم كعبد واحد فهو حسن وفيه معاونة على البر والتقوى. (وإنما انتظم أمر العالم; لأن مدبر الكل واحد) لا يشاركه أحد (و) إليه الإشارة بقوله جل وعز ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) وتوضيح هذا المقام قد مر في كتاب قواعد العقائد، (ومهما كان المدبر واحدا انتظم التدبير) وارتفع التعسير .
(وإذا كثرت المدبرون فسدت الأمور في الحضر والسفر) وإنما يخشى من التلف في البحر إذا كان في السفينة مدبران (إلا أن مواطن الإقامة لا تخلو عن أمير عام) يدبر أمر العامة بالسياسة الشرعية كأمير البلد، (أو أمير خاص كرب الدار وأما السفر فلا يتعين له أمير إلا بالتأمير) من عند أنفسهم (فلهذا وجب التأمير ليجمع شتات الآراء) في أمر المنازل والطرق ويتكلم على مصالح السفر، (ثم على الأمير) إن أمره القوم (أن لا ينظر إلا لمصلحة القوم) أي: ما يصلح به حالهم، (وأن يجعل نفسه وقاية لهم) إن عرضت مشقة (كما نقل عن عبد الله المروزي أنه صحبه أبو علي الرباطي) وكان nindex.php?page=showalam&ids=15202المروذي من عادته أن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة (فقال) الرباطي لما صحبه (على أن تكون أنت الأمير أو أنا) ولفظ الرسالة: أيما أحب إليك أن تكون أنت الأمير أو أنا، (فقال) لا (بل أنت) فقال: وعليك الطاعة لي؟ قال: نعم، (فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولأبي علي على ظهره) ولفظ الرسالة: فأخذ مخلاة ووضع فيها زادا فحمله على ظهره فإذا قلت: أعطني أحمله قال: الأمير أنا وعليك الطاعة، (فأمطرت السماء ذات ليلة فقام عبد الله طول الليل على رأس رفيقه وفي يده كساء) أرخاه عليه من سائر جهاته (يمنع عنه المطر فكلما قال له عبد الله: لا تفعل يقول: ألم تقل إن الإمارة مسلمة لي) وعليك الطاعة لي (فلا تتحكم علي ولا ترجع عن قولك، حتى قال أبو علي: وددت لو أني مت ولم أقل له أنت الأمير) ولفظ الرسالة: فكنت أقول في نفسي ليتني مت ولم أقل له أنت الأمير. ثم قال لي: إذا صحبت إنسانا فاصحبه كما رأيتني صحبتك هكذا، أورده nindex.php?page=showalam&ids=12850القشيري في كتاب الصحبة من الرسالة وتبعه المصنف هنا، وسبق للمصنف أيضا هذه القصة في كتاب آداب الصحبة مع اختلاف يسير بين السياقين .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، قال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: حسن غريب، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. اهـ .
قلت: وإنما لم يصححه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي لأنه يروى مسندا ومرسلا ومعضلا قال ابن القطان: لكن هو ليس بعلة فالأقرب صحته انتهى، ورواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر، ولفظ الجميع: nindex.php?page=hadith&LINKID=711133خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولا يهزم اثنا عشر ألفا من قلة. زاد nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر: إذا صبروا وصدموا .
(وتخصيص الأربعة من بين سائر الأعداد لا بد من أن يكون له فائدة والذي ينقدح) الفكر (فيه أن المسافر لا يخلو عن رحل يحتاج إلى حفظه) ومنعه وصيانته، (وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها) بالذهاب والمجيء فيها، (ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد في الحاجة واحدا فيتردد في السفر بلا رفيق فلا يخلو عن خطر وضيق قلب لفقد أنيس الرفيق ولو تردد في الحاجة اثنان كان الحافظ للرحل واحدا فلا يخلو أيضا عن الخطر وضيق الصدر) ، وهذا الذي ذكره المصنف حسن، ويقرب منه أن يقال: وجه تخصيص هذا العدد; لأن أحدهم لو مرض أمكنه جعل واحد وصيا والآخرين شهيدين، والثلاثة لا يبقى منهم غير واحد، ولأن الأربعة أبعد أوائل الأعداد من الآفة وأقربها إلى التمام، ألا ترى أن الشيء الذي تحمله الدعائم أربعة وذا القوائم الأربع إذا زال أحدها قام على ثلاث ولم يكد يثبت، وما له ثلاث قوائم إذا زال أحدها سقط، وإنما كانت الأربعة أبعد من الآفة لأنهم لو كانوا ثلاثة ربما تناجى اثنان دون واحد وهو منهي عنه والأربعة إذا [ ص: 400 ] انتجى اثنان يبقى اثنان، والله أعلم .
(فإذا ما دون الأربعة لا يفي بالمقصود وما فوق الأربعة يزيد فلا تجمعهم رابطة واحدة فلا ينعقد بينهم التوافق; لأن الخامس زيادة بعد الحاجة ومن يستغنى عنه لا تصرف الهمة إليه فلا تتم الموافقة معهم، نعم في كثرة الرفقاء فائدة للأمن من المخاوف) إذا كان الطريق بعيدا، ويخاف فيه من العدو ففي الكثرة صيانة وأمن لأنه يرجى به دفع الصائل وهيبة على العدو ولو كان فيهم كثرة (ولكن الأربعة خير للرفاقة الخاصة لا العامة وكم من رفيق في الطريق عند كثرة الرفاق لا يكلم ولا يخالط إلى آخر الطريق للاستغناء عنه) وعدم الاحتياج إليه .