الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الباب الأول :

في الآداب من أول النهوض إلى آخر الرجوع .

وفي نية السفر وفائدته وفيه فصلان .

الفصل الأول في فوائد السفر وفضله ونيته .

اعلم أن السفر نوع حركة ومخالطة وفيه فوائد وله آفات كما ذكرناه في .

كتاب الصحبة والعزلة والفوائد الباعثة على السفر لا تخلو من هرب أو طلب .

فإن المسافر إما أن يكون له مزعج عن مقامه ولولاه لما كان له مقصد يسافر إليه ، وإما أن يكون له مقصد ومطلب .

والمهروب عنه إما أمر له نكاية في الأمور الدنيوية .

كالطاعون والوباء إذا ظهر ببلد أو خوف سببه فتنة أو خصومة أو غلاء سعر .

وهو إما عام كما ذكرناه أو خاص كمن يقصد بأذية في بلدة فيهرب منها .

وإما أمر له نكاية في الدين كمن ابتلي في بلده بجاه ومال واتساع أسباب تصده عن التجرد لله فيؤثر الغربة والخمول ويجتنب السعة والجاه أو كمن يدعى إلى بدعة قهرا أو إلى ولاية عمل لا تحل مباشرته فيطلب الفرار منه .

وأما المطلوب فهو إما دنيوي كالمال والجاه أو ديني والديني إما علم وإما عمل .

والعلم إما علم من العلوم الدينية ، وإما علم بأخلاق نفسه وصفاته على سبيل التجربة وإما علم ، بآيات الأرض وعجائبها كسفر ذي القرنين وطوافه في نواحي الأرض .

والعمل إما عبادة وإما زيارة .

والعبادة هو الحج والعمرة والجهاد .

والزيارة أيضا من القربات ، وقد يقصد بها مكان كمكة والمدينة وبيت المقدس .

والثغور فإن الرباط بها قربة .

وقد يقصد بها الأولياء والعلماء وهم إما موتى فتزار قبورهم وإما أحياء فيتبرك بمشاهدتهم ويستفاد من النظر إلى أحوالهم قوة الرغبة في الاقتداء بهم .

التالي السابق


(الباب الأول: في الآداب من أول النهوض إلى آخر الرجوع وفي نية السفر وفائدته وفيه فصلان)

(الفصل الأول) (في فوائد السفر ونيته وفضله، اعلم أن السفر) ارتحال من بقعة إلى بقعة وقطع مسافة وفيه (نوع حركة) بظاهر البدن (ومخالطة) مع الغير (فيها فوائد ولها آفات كما ذكرناها في كتاب) آداب (الصحبة والعزلة) قريبا، (والفوائد الباعثة على السفر لا تخلو من هرب أو طلب، فإن المسافر إما أن يكون له) سبب (مزعج) أي: مقلق (عن مقامه) أي: مستقره ومأمنه، (ولولاه لما كان له [ ص: 384 ] مقصد يسافر إليه، وإما أن يكون له مقصود ومطلب والمهروب عنه إما أمر له نكاية في الأمور الدنيوية كالطاعون والوباء إذا ظهر ببلد) فالطاعون: الموت بطعن الجن، والوباء: فساد يعرض لجوهر الهواء لأسباب سماوية أو أرضية، وسيأتي الكلام عليهما قريبا، (أو خوف سببه فتنة أو خصومة أو غلاء سعر) في الأقوات .

(وهو إما عام كما ذكرنا أو خاص كمن يقصد بإذاية في بلدة فيهرب منها) لأجل ذلك، فهذه أقسام النكاية في الأمور الدنيوية، (وإما أمر نكاية في الدين كمن ابتلي في بلده بجاه ومال واتساع أسباب تصده) أي: تمنعه (عن التجرد لله) تعالى (فيؤثر الغربة والخمول) أي: يختارهما (ويتجنب السعة والجاه) والمال، (أو كمن يدعى إلى بدعة) أي: إلى ارتكابها (قهرا) عن نفسه (أو إلى ولاية عمل لا تحل مباشرته) كالمكس ومال الأيتام وما أشبه ذلك (فيطلب الفرار منه) سلامة لدينه .

(وأما المطلوب فهو إما دنيوي كالمال والجاه) أي: تحصيلهما، (أو ديني والديني إما علم وإما عمل، والعلم إما علم من العلوم الدنيوية، وإما علم بأخلاق نفسه وصفاته على سبيل التجربة، وإما بآيات الأرض وعجائبها) المودعة فيها (كسفر ذي القرنين وطوافه في نواحي الأرض) أي: أطرافها وقصته مذكورة في القرآن، وهل كان نبيا أو ملكا صالحا؟ فيه اختلاف وكذا في اسمه والمشهور أنه الإسكندر، وفي سبب تلقيبه أقوال وقد ذكرت طرفا منه في شرح القاموس .

(والعمل إما عبادة وإما زيارة والعبادة هو الحج والعمرة والجهاد) في سبيل الله، (والزيارة أيضا من القربات، وقد يقصد بها مكان كمكة والمدينة المنورة وبيت المقدس والثغور) التي في وجه العدو، (فإن الرباط بها قرابة وقد يقصد بها) أي: بالزيارة (الأولياء والعلماء وهم إما موتى) انتقلوا إلى دار الآخرة، (فتزار قبورهم) قصدا للتبرك، (وإما أحياء فيتبرك بمشاهدتهم ويستفاد من النظر إلى أحوالهم قوة الرغبة في الاقتداء بهم) .




الخدمات العلمية