احتجوا بقوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود والحسن البصري والنخعي رضي الله عنهم: إن لهو الحديث هو الغناء .
فهو حرام مذموم وليس النزاع فيه ، وليس كل غناء بدلا عن الدين مشترى به ومضلا عن سبيل الله تعالى ، وهو المراد في الآية .
ولو قرأ القرآن ليضل به عن سبيل الله لكان حراما .
حكى عن بعض المنافقين أنه كان يؤم الناس ، ولا يقرأ إلا سورة عبس لما فيها من العتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمر بقتله ورأى فعله حراما لما فيه من الإضلال .
فإن قيل : إن ذلك مخصوص بالضحك على المسلمين لإسلامهم ، فهذا أيضا مخصوص بأشعارهم وغنائهم في معرض الاستهزاء بالمسلمين كما قال تعالى : والشعراء يتبعهم الغاوون وأراد به شعراء الكفار .
واحتجوا بما روي جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى .
فقد جمع بين النياحة والغناء قلنا لا جرم كما استثني منه نياحة داود عليه السلام ونياحة المذنبين على خطاياهم ، فكذلك يستثنى الغناء الذي يراد به تحريك السرور والحزن والشوق حيث يباح تحريكه بل ، كما استثني غناء الجاريتين يوم العيد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغناؤهن عند قدومه صلى الله عليه وسلم بقولهن .
قلنا هو منزل على بعض أنواع الغناء الذي قدمناه وهو الذي يحرك من القلب ما هو مراد الشيطان من الشهوة وعشق المخلوقين ، فأما ما يحرك الشوق إلى الله أو السرور بالعيد أو حدوث الولد أو قدوم الغائب فهذا كله يضاد مراد الشيطان .
بدليل قصة الجاريتين والحبشة والأخبار التي نقلناها من الصحاح فالتجويز في موضع واحد نص في الإباحة ، والمنع في ألف موضع محتمل للتأويل ومحتمل للتنزيل .
أما الفعل فلا تأويل له إذ ما حرم فعله إنما يحل بعارض الإكراه فقط ، وما أبيح فعله يحرم بعوارض كثيرة حتى النيات والقصود .
قلنا : فقوله : باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة وقد يسلم ذلك .
على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة وليس بحرام بل يلحق بالمحصور غير المحصور قياسا كقوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي: ليس بمحفوظ . اهـ. فنقول في الجواب [ ص: 516 ] (أما) أولا فإن الحديث ليس بمحفوظ كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي فسقط الاحتجاج به، وعلى التسليم (القينة: المراد بها الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب) هكذا قيده بعض أئمة اللغة وقال nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت هي الأمة البيضاء سواء كانت مغنية أو غير مغنية .
(وقد ذكرنا) آنفا (أن غناء الأجنبية للفساق ومن يخاف منه الفتنة حرام، وهم لا يقصدون بالقينة إلا ما هو محظور) شرعا، (فأما غناء الجارية لمالكها فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث، بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها-) وسماع النبي -صلى الله عليه وسلم- لهما كما تقدم، ولنذكر حكم بيع الجارية المغنية إذا كانت تساوي ألفا بغير غناء وألفين بالغناء، فإن باعها بألف صح وإن باعها بألفين فقد اختلف فيه، فذهبت طائفة إلى بطلانه، ونقل عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد واختاره من الشافعية المحمودي، وذهبت طائفة إلى الصحة، وهو مذهب الظاهرية، وإيراد صاحب الهداية يقتضي أنه مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، فإنه قاس آلات الملاهي عليه، واختاره من الشافعية أبو بكر الأدوني وجزم به الحليمي وقال: الثمن يكون حراما .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين: إنه القياس السديد، وصححه النووي واختاره nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي من المالكية، وبناه على إباحة الغناء وتحريمه، قال في العارضة: وأما بيع المغنية فيبنى على أن الغناء حرام أو ليس بحرام، وحكاه ابن حمدان قولا في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالت: إن قصد الغناء بطل وإلا فلا، وهو الموجود في كتب الحنابلة، وكذلك قال كثير من المالكية، فلا يجوز بزيادة ثمن لأجل الغناء، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد في المقدمات: إن باع بزيادة ثمن لأجل الغناء حرم على المبتاع، وإن زاد المشتري لذلك حرم على المشتري خاصة، وذكر تقاسيم وحكى خلافا في أنه يحرم جميع الثمن أو ما يقابل الغناء، وقال في التهذيب، وكره nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بيع المغنية، قال ابن القاسم فإن وقع فسخ، وقال الشوشاوي المالكي: إن شرط أنها مغنية فسد وإلا فلا، قال أشهب: لا تباع ممن يعلم أنها مغنية، وإن تبرأ من ذلك. وإلى التفصيل في الصحة وعدمها عند قصد الغناء وغيره ذهب من الشافعية nindex.php?page=showalam&ids=12021أبو زيد المروزي، والله أعلم .
احتج من قال بالبطلان بحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة المتقدم، وبعضهم علله بأنها صنعة محرمة فلا يصح العقد عليها كسائر المحرمات، واحتج المجوزون بالنص والقياس، أما النص فقوله تعالى: وأحل الله البيع فعم كل بيع ولم يأت هنا ما يخصه فبقي على عمومه فيما لم يثبت فيه نص وأجابوا عن الحديث أنه ضعيف، وبعض الشافعية حمله على المغنية بالآلات المحرمة، وادعى أنه الغالب على المغنيات، فخرج الحديث مخرج الغالب، وألجأه إلى هذا أمران: الأول: أن بيع المغنيات كان مشهورا في الصدر الأول يتنافس فيهن بسببه، فقد ذكر صاحب الأغاني أن عبد الله بن جعفر اشترى جارية مغنية بأربعين ألفا، الثاني: أن المغنية عين طاهرة مستكملة لجميع شرائط البيع فصح بيعها قياسا على غيرها .
وأما الجواب عن الآية فقد رويت أقوال في معنى لهو الحديث فقيل: هو الطبل، نقله nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري، وقيل: هو اللهو واللعب روي ذلك عن عطاء، وقيل: الجدال في الدين، وقيل: كل ما شغل عن ذكر الله، وقال ابن العربي: أصح ما قيل فيه أنه الباطل، وقال ابن إسحاق وغيره: إنها نزلت في النضر بن الحارث كان يشتري أخبار الأكاسرة فيحدث بها، وقال ابن قتيبة: إنها نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يشترون كتب الفرس والروم ويقرءونها للمسلمين ليصدوهم عن ذكر الله، وأخطأ من فسرها بالغناء، وقال ما معناه: إن الشراء لا يقع على عرض والغناء عرض، وعلى التسليم فإن (شراء لهو الحديث بالدين استبدالا به ليضل به عن سبيل الله فهو حرام مذموم وليس النزاع فيه، وليس كل غناء بدلا عن الدين ومشترى به ومضلا عن سبيل الله تعالى، وهو المراد في الآية) أي: لا يتم الاحتجاج بالآية إلا إن كان لهو الحديث موضوعا للغناء .
فإن الذم وقع على من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله، ولا شك أنه (لو قرأ القرآن) أو فعل غيره من الطاعات (ليضل به عن سبيل الله كان ذلك حراما، فالتحريم والحالة هذه لعارض من جملة العوارض المحرمة فلا دلالة على الغناء المطلق، ومتى كان في محل الحكم وصف يمكن اعتباره وجب اعتباره، ولا يلغى (وحكي عن واحد من [ ص: 517 ] المنافقين أنه كان يؤم الناس ولا يقرأ في صلاته الجهرية إلا سورة عبس لما فيها من العتاب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر -رضي الله عنه- أي: قصد بقتله ورأى فعله حراما لما فيه من الإضلال، (فالإضلال بالشعر والغناء أولى بالتحريم .
واحتجوا أيضا بقوله تعالى: أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون ) قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس -رضي الله عنه-: سامدون من السمد وهو (الغناء) باليمانية، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا. أخرجه هكذا nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في المصنف nindex.php?page=showalam&ids=14906والفريابي nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد في فضائله، nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في السنن، وقال عكرمة: هو الغناء (بلغة حمير يعني السامد) أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد وابن جزء عنه: سمد لنا أي: غنى لنا، ووجه الاستدلال به أن الله تعالى ذكر ذلك في معرض الذم، والوصف المذموم شرعا محرم فعله .
فنقول في الجواب: إن الآية محتملة لمعان، وقد فسرت بغير ما ذكر، فقد نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا تفسيرها: بمعرضين عنه لاهين، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=14906والفريابي nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر، nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه عنه في قوله تعالى: سامدون قال: لاهون معرضون عنه، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أي: غافلون .
أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي nindex.php?page=showalam&ids=12201وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: كانوا يمرون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي شامخين ألم تر إلى البعير كيف يخطر شامخا، وقيل: معناه مستكبرون، ونقل ذلك عن الضحاك، وقيل: غضاب مبرطمون، ونقل ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر، وقال المهدوي: المعروف في اللغة أن السمود اللهو والإعراض، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد: سمد معناه صمد، وقال الجوهري: سمد سمودا رفع رأسه تكبرا، وكل رافع رأسه فهو سامد، وقال الأعرابي: سمدت سمودا عاودت، وسمدت الإبل في سيرها جدت والسمود اللهو والسامد اللاهي .
وأخرج الطيبي في فوائد nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: "سامدون"، قال: السمود اللهو والباطل، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول هزيلة بنت بكر وهي تبكي قوم عاد:
ليت عادا قبلوا الحـ ـق ولم يبدوا جحودا قيل قم فانظر إليهم ثم دع عنك السمودا
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن أبي خالد الوالبي قال: خرج nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب علينا وقد أقيمت الصلاة ونحن قيام ننتظره ليتقدم، فقال: ما لكم سامدون؟ لا أنتم في صلاة ولا أنتم جلوس تنتظرون.
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من طريق منصور بن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن القوم ينتظرون الإمام، وكان يقال: ذلك من السمود أو هو السمود، وقال منصور: حين يقوم المؤذن فيقومون ينتظرون، وقيل في معناه: واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام، وهذا روي عن الحسن.
فإذا كان السمود موضوعا لما ذكرناه فاستعماله في الغناء يحتاج إلى دليل ولا دليل فانتفى ما قالوه على أنه لو كان موضوعا للغناء أو استعمل فيه لم تكن في الآية حجة، فإن الذم إنما ورد بقوم موصوفين بفعل أشياء من كونهم يضحكون من الحديث إذا سمعوه ويعجبون منه ولا يبكون ويسمدون .
(فينبغي أن يحرم الضحك وعدم البكاء أيضا; لأن الآية تشتمل عليه) فإن المرتب على مجموع أشياء ينتفي بانتفاء بعضها بالضرورة، ولو سمعوا القرآن فاشتغلوا عن سماعه بالغناء كان حراما لما عرض لهم، وهو من مادة قوله: يشتري لهو الحديث، وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي في كشف القناع عند الكلام على هذه الآية أشياء ضعيفة لا تستحق أن توضع بطون الأوراق، فمن ذلك قوله في تفسير nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: السمود يعني الغناء، أن تفسيرنا أولى فإنه عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وهو ترجمان القرآن فانظر هل يقول أحد: إن تأويل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وتفسيره أرجح من تفسير علي وتأويله، وهذه أمور اجتهادية، فلا يزن الحق فيها بالرجال وإنما يرجح بالاستدلال، ثم إن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كان يستفيد من nindex.php?page=showalam&ids=8علي وقال عنه: إنه أعطي تسعة أعشار العلم، ولقد شاركهم في العشر الآخر، وكونه ترجمان القرآن ليس فيه نفي الحكم عن غيره، وإلا لكان الصحابة ما يخالفونه بعد [ ص: 518 ] سماع ذلك (فإن قيل: إن ذلك مخصوص بالضحك على المسلمين لإسلامهم، فهذا أيضا مخصوص بأشعارهم وغنائهم في معرض الاستهزاء بالمسلمين كما قال تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون ) أي: المضلون، (وأراد به شعراء الكفار ولم يدل ذلك على تحريم نظم الشعر في نفسه) كما هو ظاهر، واحتجوا أيضا بقوله تعالى: واستفزز من استطعت منهم بصوتك قال مجاهد: إنه الغناء، وأتوا فيه (بما روي عن جابر) بن عبد الله -رضي الله عنه- (عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى، فقد جمع بين النياحة والغناء) .
قال العراقي: لم أجد له أصلا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر وذكره صاحب الفردوس من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب، ولم يخرجه ولده في مسنده . اهـ .
قلت: وكذا ذكر تلميذه الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الأذكار عند قوله، وذكر أبو شجاع الديلمي في كتاب الفردوس عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رفعه: إن أول من تغنى وزمر وحدا إبليس، ما لفظه ولم أقف له على أصل، ولا ذكر له ولده أبو منصور في مسنده سندا. اهـ. وفي لفظ: إن إبليس أول من تغنى وزمر ثم حدا، ثم ناح، ذكره صاحب الإمتاع وذكر nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي مثل ذلك في كشف القناع وقال: فإن صح الحديث وإلا فالمعنى غير بعيد، إذ لا يناسب أن يظهر هذا الفعل الخسيس إلا من إبليس . اهـ .
قلنا في الجواب عن الآية: لا نسلم أن صوته الغناء فإنه ليس موضوعا له فينصرف إليه، ولا دل عليه دليل في كتاب ولا سنة، وما قاله مجاهد معارض بمثله، فالمنقول عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن معنى قوله: بصوتك، بدعائك إلى معصية الله تعالى، ونقل ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أيضا، وما رشحوه به من أن إبليس أول من تغنى لو صح لم تكن فيه حجة، فما كل ما فعله إبليس يكون حراما، على أن في بعض ألفاظه كما تقدم أنه أول من حدا وليس الحداء حراما بالاتفاق، فإن ادعوا أن الدليل دل على إباحة الحداء فخرج بدليل، قلنا: وقد دل الدليل على إباحة الغناء، ولم يثبت عن طريق صحيح المنع عنه، وسلك المصنف في الجواب مسلكا آخر فقال:
(لا جرم كما استثني منه نياحة داود -عليه السلام- ونياحة المذنبين على خطاياهم، فكذلك يستثنى) منه (الغناء الذي يراد به تحريك السرور والحزن والشوق حيث يباح تحريكه، كما استثني غناء الجاريتين في يوم العيد في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و) كما استثني (غناؤهم) الأولى غناؤهن أي: جويريات الأنصار (عند قدومه) -صلى الله عليه وسلم- من بعض أسفاره (بقولهم) الأولى بقولهن:
(طلع البدر علينا من ثنيات الوداع)
إلى آخره كما تقدم ذلك، واحتجوا أيضا بآية أخرى ولم يذكرها المصنف، وهي قوله تعالى: والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ومحمد بن الحنفية: الزور الغناء، قالوا: واللغو كل سقط من قول وفعل فيدخل الغناء فيه، ورووا في ذلك أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر سمع غناء فأسرع فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لقد أصبح nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عبدا كريما، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي في تفسيره عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، وذكره ابن عطية عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، والجواب عن ذلك أنا لا نسلم أن الزور الغناء، فليس لفظ الزور موضوعا له ولا دليل نحمله عليه .
وما نقلوه من تفسير nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12691وابن الحنفية فمعارض بمثله أيضا، فقد نقل جماعة من المفسرين عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي وابنه محمد أنه من الشهادة، وتقديره: والذين لا يشهدون الزور، ونقل عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال: الزور الكذب، وقيل: إنه الشرك وقيل: أعياد كانت لأهل الذمة، وقيل: لعب كان في الجاهلية يسمى بالزور، وقيل: المجلس الذي كان يشتم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، نقل ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي في الأحكام، وضعف قول من فسره بالغناء، وكذا أيضا ما احتجوا به من قوله تعالى: وإذا مروا باللغو وإن المراد باللغو الغناء، ورشحوا ذلك بما رووه عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه مر بقوم وهم يغنون فأسرع، فليس اللغو الغناء، فإنما فسر في هذه الآية بكل سقط من قول وفعل لا نسلم اندراج الغناء فيه، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لو صح لم تكن فيه حجة، فإن الإنسان إذا زهد في بعض المباحات، واشتغل بما هو أهم مدح ويثني عليه لاسيما إذا كان من قبيل اللهو واللعب .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الكبير وهو ضعيف . اهـ .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في السنن: حدثنا قتيبة، حدثنا بكر بن مضر عن عبيد الله بن زحر عن علي بن أبي يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=663573لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن، ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله قال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير من عدة طرق، كلها عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم، فأما مسلم بن علي فقال عنه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: منكر الحديث، وكذا قال أبو القاسم بن عبد الرحمن قال فيه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين: لا يساوي شيئا، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: منكر الحديث، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان: يروي عن الصحابة المعضلات ويأتي عن الثقات بالأسانيد المقلوبات .
وأما عبيد الله بن زحر في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي نفسه: تكلم فيه بعض أهل العلم وضعفه، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد قيل: إن أضعف الأسانيد هذا الإسناد، وقال ابن طاهر وغيره عن أبي مسهر الغساني أنه قال: عبيد الله بن زحر صاحب كل معضلة، وليس على حديثه اعتماد، وقال nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين: كل حديثه ضعيف، وقال أبو حاتم: منكر الحديث جدا يروي الموضوعات عن الثقات، وإذا روى عن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد هو ويزيد nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم فلا يكون ذلك الحديث إلا مما عملته أيديهم لا يحل الاحتجاج بهذه الصحيفة، وعلي بن يزيد قال nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث جدا، nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم قال يحيى: لا يساوي شيئا، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: منكر الحديث .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان: يروي عن الصحابة المعضلات ويروي عن الثقات بالأسانيد المقلوبات، وهذا الحديث لو صح لم يدل على تحريم الغناء، وإنما قد يحتج به على تحريم غناء المغنيات ولا يصح قياس غيرهن عليهن، ويمنع أيضا دلالاته على تحريم غنائهن فإنه ليس فيه إلا النهي عن بيعهن وشرائهن، ولا يلزم من منع البيع تحريم الغناء .
ولئن سلمنا (قلنا هو منزل على بعض أنواع الغناء الذي قدمنا وهو الذي يحرك من القلب ما هو مراد الشيطان من الشهوة وعشق المخلوقين، فأما ما يحرك الشوق إلى الله تعالى أو السرور بالعبد أو حدوث الولد أو قدوم الغائب فهذا كله يضاد مراد الشيطان بدليل قصة الجاريتين و) قصة لعب (الحبشة) وغنائهم، (والأخبار التي نقلناها عن الصحاح) والحسان قبل ذلك (فالتجويز في موضوع واحد نص في الإباحة، والمنع في ألف موضع محتمل للتأويل ومحتمل للتنزيه) جمعا بين الأقوال المتضادة (أما الفعل فلا تأويل له إذ ما حرم فعله إنما يحل بعارض الإكراه فقط، وما أبيح فعله بعوارض كثيرة حتى النيات والقصود واحتجوا) أيضا (بما روي عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- nindex.php?page=hadith&LINKID=697507 (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا تأديبه فرسه ورميه بالقوس وملاعبته امرأته) وفي نسخة: زوجته، وفي أخرى: أهله، قال العراقي: رواه أصحاب السنن الأربعة، وفيه اضطراب . اهـ .
(قلنا: فقوله: باطل) ، وفي نسخة: قوله فهو باطل (لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة) ، فإن الباطل ما لا فائدة فيه، وأكثر المباحات لا فائدة فيه، (وقد يسلم ذلك على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة وليس بحرام بل) على عدم الفائدة و (يلحق بالمحصور وغير المحصور قياسا) ، وهذا تقرير جواب ثان وحاصله أن هذا العام خرجت منه مفردات كثيرة جدا، وإذا كثرت مخصصات العام لم تبق فيه حجة عند قوم، وعند من يتمسك بالعموم فنقول: هذا العام خرج منه الغناء بالأدلة التي ذكرت، (كقوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل دم امرئ مسلم) يشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله (إلا بإحدى ثلاث) الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه والمفارق للجماعة. رواه nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في المصنف، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة والشيخان والأربعة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وفي لفظ: nindex.php?page=hadith&LINKID=675712لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فيرجم، أو ارتد بعد إسلام فيقتل، أو قتل نفسا بغير حق فقتل به. رواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق والطيالسي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=14274والدارمي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، وقال: حسن صحيح، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=14679والضياء من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من حديث طلحة، (فإنه يلحق به رابع وخامس) إلحاقا لغير المحصور بالمحصور .