اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ؛ ليخرج به من حق الله سبحانه ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته وينبغي أن يستحله وهو حزين متأسف نادم على فعله ، إذ المرائي قد يستحل ليظهر من نفسه الورع ، وفي الباطن لا يكون نادما ، فيكون قد قارف معصية أخرى وقال الحسن يكفيه الاستغفار دون الاستحلال وربما استدل في ذلك بما روى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفارة من اغتبته أن تستغفر له وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : كفارة أكلك لحم أخيك أن تثني عليه ، وتدعو له بخير وسئل عطاء بن أبي رباح عن التوبة من الغيبة قال أن : تمشي إلى صاحبك ، فتقول له : كذبت فيما قلت ، وظلمتك وأسأت ، فإن شئت أخذت بحقك ، وإن شئت عفوت وهذا هو الأصح .
(اعلم أن الواجب على المغتاب) أصله "مغتيب" على صيغة اسم الفاعل، وقد تشترك الصيغتان وتتميزان بالقرينة، (أن يندم ويتوب) إلى الله تعالى، (ويتأسف على ما فعله؛ ليخرج من حق الله تعالى) إذ عصاه بمخالفة نهيه، (ثم يستحل المغتاب) ، وهي صيغة اسم المفعول أي: يطلب منه العفو; لأنه ظلمه بغيبته (ليحله) أي: يعفو عنه، (فيخرج من مظلمته) ، فالغيبة يتعلق بها حقان : عصيان الله، وظلم العبد، فلابد من التوبة والاستحلال، (وينبغي أن يستحله وهو حزين متأسف نادم على فعله، إذ المرائي قد يستحل ليظهر من نفسه الورع، وفي الباطن لا يكون نادما، فيكون قد قارف معصية أخرى) وهي المراءاة بفعله، (وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: (يكفيه الاستغفار) له، (دون الاستحلال) منه، (وربما احتج في ذلك بما روى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفارة من اغتبت أن تستغفر له ) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن أبي عبيدة عبد الوارث بن عبد الصمد ، حدثنا أبي، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن القرشي ، عن خالد بن يزيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فساقه، وقد رواه كذلك الحارث بن أبي أسامة في مسنده، nindex.php?page=showalam&ids=14203والخرائطي في المساوئ، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الشعب، nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ في التوبيخ، والدينوري في المجالسة، nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب في التاريخ، وآخرون، كلهم من طريق عنبسة عن خالد بن يزيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس به مرفوعا، ولفظ بعضهم: كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته، وعنبسة ضعيف، وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=14203الخرائطي من غير طريقه من جهة أبي سليمان الكوفي ، عن ثابت ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس مرفوعا، بلفظ: إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته، تقول: اللهم اغفر لنا وله . وهو ضعيف أيضا، ولكن له شواهد، فعند nindex.php?page=showalam&ids=12181أبي نعيم في الحلية nindex.php?page=showalam&ids=13357وابن عدي في الكامل، كلاهما من حديث أبي داود سليمان بن عمرو النخعي عن أبي حازم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد ، مرفوعا: "من اغتاب أخاه فاستغفر له، فهو كفارة له" . والنخعي ممن اتهم بالوضع، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث [ ص: 559 ] حفص بن عمر الأيلي ، عن سهل بن لاحق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر مرفوعا: "من اغتاب رجلا، ثم استغفر له من بعد ذلك، غفرت له غيبته . وهو ضعيف، وهو عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب من جهة عباس الترقفي ، ثم من جهة nindex.php?page=showalam&ids=17257همام بن منبه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=14690 "الغيبة تخرق الصوم، والاستغفار يرقعه، فمن استطاع أن يجيء غدا بصومه مرقعا فليفعل" . وقال عقبة : هذا موقوف، وسنده ضعيف، ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : كفارة أكل لحم أخيك أن تثني عليه، وتدعو له بخير ) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن أبي كريب ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17313يحيى بن زكريا ، عن أبي زائدة ، حدثنا محمد بن عبد الله الليثي ، عن حميد الأعرج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، فذكره، قال: وحدثني محمد بن إدريس ، حدثنا داود بن معاذ، ابن أخت مخلد بن حسين عن شيخ له، عن أبي حازم قال: من اغتاب أخاه فليستغفر له، فإن ذلك كفارة لذلك .
(وسئل عطاء) بن أبي رباح، (عن التوبة من الغيبة ) كذا في نسخ الكتاب، وفي بعضها: من الفرية. وهو الموافق لما في كتاب الصمت، كما سيأتي، (فقال: تمشي إلى صاحبك، فتقول له: كذبت فيما قلت، وظلمتك وأسأت، فإن شئت أخذت بحقك، وإن شئت وهبت) ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن محمد بن إدريس ، حدثنا أبو النضر الدمشقي ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن أبي شيبة يحيى بن يزيد الرهاوي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن التوبة من الفرية قال: أن تمشي.. فذكره، إلا أنه قال في آخره: "وإن شئت عفوت"، بدل: "وهبت" .
قال المصنف: (وهذا هو الحق) ، قلت: هذا مبني على أنه لا فرق عنده بين الغيبة والفرية، وهو بعيد بلا مرية، والأحسن في هذا المقام التفصيل، وهو ألا يحتاج إلى الاستحلال إذا لم يصل الكلام إلى المغتاب منه بخلاف ما إذا وصله، إلا إذا كان يتشوش بذكره، فقد يكون الاعتذار أكبر من الذنب عند بعض الأبرار، وأما قول عطاء ؛ فإنه خص بالافتراء، بل ينبغي أن يعترف بالخطإ في حضور الملإ بالخلاء، وبالملإ، فتأمل .