ومن حقهم الاشتغال بالعمل بما في القرآن إلا أن ذلك ثقيل على النفوس والفضول خفيف على القلب ، والعامي يفرح بالخوض في العلم ؛ إذ الشيطان يخيل إليه أنك من العلماء وأهل الفضل ولا يزال يحبب إليه ذلك حتى يتكلم في العلم بما هو كفر وهو لا يدري وكل كبيرة يرتكبها العامي ، فهي أسلم له من أن يتكلم في العلم لا سيما فيما يتعلق بالله وصفاته ، وإنما شأن العوام الاشتغال بالعبادات والإيمان بما ورد به القرآن والتسليم لما جاء به الرسل من غير بحث وسؤالهم عن غير ما يتعلق بالعبادات وسوء أدب منهم يستحقون به المقت من الله عز وجل ويتعرضون لخطر الكفر ، وهو كسؤال ساسة الدواب عن أسرار الملوك وهو موجب للعقوبة وكل من سأل عن علم غامض ولم يبلغ فهمه تلك الدرجة ، فهو مذموم فإنه بالإضافة إليه عامي ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأكثروا عليه وأغضبوه ، فصعد المنبر وقال : سلوني لا ؛ تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به . فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ فقال : أبوك حذافة فقام إليه شابان أخوان ، فقالا : يا رسول الله ، من أبونا ؟ فقال : أبوكما الذي تدعيان إليه . ثم قام إليه رجل آخر فقال : يا رسول الله ، أفي الجنة أنا أم ، في النار ؟ فقال : لا ، بل في النار . فلما رأى الناس غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا فقام إليه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا . فقال اجلس يا عمر رحمك الله ، إنك ما علمت لموفق .
(وعن كلامه وعن الحروف، وأنها قديمة أو حادثة) ، وما يجرى مجراه، كسؤالهم عن الإيمان، هل هو مخلوق أو غير مخلوق، (ومن حقهم الاشتغال بالعمل بما في القرآن) من الأوامر والنواهي (إلا أن ذلك ثقيل على النفوس) لا تستمريه، (والفضول خفيف على القلب، والعامي يفرح بأن يخوض في العلم؛ إذ الشيطان يخيل إليه أنك من العلماء) الكمل، وأهل الفضل، (فلا يزال يحبب إليه ذلك حتى) يوقفه على دهاليز الكفر، وربما (يتكلم بما هو كفر) والعياذ بالله، فينسل من الدين، (وهو لا يدري) ، ولا يشعر، (وكل كبيرة يرتكبها العامي، فهي أسلم له من أن يتكلم في العلم) ؛ لعدم أهليته، (لا سيما فيما يتعلق بالله وصفاته، وإنما شأن العوام الاشتغال بالعبادات) الظاهرة، (والإيمان بما ورد به القرآن والتسليم لما جاء به الرسل) عليهم السلام (من غير بحث) ، ولا تنقير، فهذا أفضل أحوالهم وأعظم أعمالهم، (وسؤالهم عن غير ما يتعلق بالعبادة سوء أدب منهم يستحقون به المقت من الله تعالى) ، والبعد عن ساحة حضرته، (ويتعرضون لخطر الكفر، وهو كسؤال ساسة الدواب) جمع سائس، وهو الذي يتعاهد الدواب في خدمتها، ومراعاة أحوالها (عن أسرار الملوك) الباطنة، (وهو موجب للعقوبة) والنكال، (وكل من سأل عن علم غامض ) ، أي: دقيق، (ولم يبلغ فهمه تلك الدرجة، فهو مذموم) ، وفساده أكثر من صلاحه، (فإنه بالإضافة إليه عامي، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذروني) أي: اتركوني من السؤال، (ما تركتكم) أي: مدة تركي إياكم من الأمر بالشيء والنهي عنه، فلا تتعرضوا لي بكثرة البحث عما لا يعنيكم في دينكم مهما أنا تارككم لا أقول لكم شيئا، فقد يوافق ذلك إلزاما وتشديدا، وخذوا بظاهر ما أمرتكم، ولا تستكشفوا كما فعل أهل الكتاب، ولا تكثروا من الاستقصاء فيما هو مبين بوجه ظاهر، وإن صلح لغيره؛ لإمكان أن يكثر الجواب المرتب عليه، فيضاهي قصة بقرة بني إسرائيل، شددوا فشدد عليهم، فخاف وقوع ذلك بأمته، ومن ثم علله بقوله: (فإنما هلك من كان قبلكم) من أمم الأنبياء (بسؤالهم) إياهم عما لا يعنيهم. وفي رواية: بكثرة سؤالهم. (واختلافهم على أنبيائهم) ، ولما كان الأمر كذلك تسيبوا لتفرق القلوب، ووهن الدين، واستوجبوا به المحن والبلايا. والمفهوم من السياق النهي عن السؤال والاختلاف، فإن قيل: السؤال مأمور به بنص: فاسألوا أهل الذكر ، فكيف يكون الشيء مأمورا منهيا؟ قلت: إنما هو مأمور فيما يأذن المعلم في السؤال عنه، وهو الذي يعنيه في دينه أو دنياه، والمنهي عنه هو السؤال الذي يكثر به النزاع والخصومات ، وفيما لا يعني من الفضول. (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) أي: دائما على كل تقدير، ما دام منهيا عنه حتما في الحرام، وندبا في المكروه; إذ لا يمتثل مقتضى النهي إلا بترك جميع جزئياته، وإلا صدق عليه أنه عاص أو مخالف، (وما أمرتكم به فأتوا منه) وجوبا في الواجب، وندبا في المندوب، (ما استطعتم) ; لأن فعله هو إخراجه من العدم إلى الوجود، وذلك يتوقف على شرائط، وأسباب، كالقدرة على الفعل ونحوها، وبعضه يستطاع، وبعضه لا، فلا جرم سقط التكليف بما لا يستطاع، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وبدلالة الموافقة له يخص عموم: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، قال العراقي : متفق عليه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
(وقال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ) رضي الله عنه: (سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حتى أكثروا عليه وأغضبوه، فصعد المنبر فقال: سلوني؛ فلا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به. فقام إليه رجل) هو عبد الله ، (فقال: يا رسول الله، من أبي؟ فقال: أبوك حذافة) هو ابن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم القرشي، وعبد الله ابنه هذا يكنى أبا حذافة، وقيل: أبو حذيفة ، وأمه بنت حرثان ، من بني الحارث بن عبد مناف ، من السابقين الأولين، مات بمصر في خلافة عثمان ، (فقام إليه شابان أخوان، فقالا: يا رسول الله، من أبونا؟ فقال: أبوكما الذي تدعيان) أي: تنسبان (إليه. ثم قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أفي الجنة أنا، أو في النار؟ فقال: لا، بل في النار. فلما رأى الناس غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا) عن السؤال، (فقام إليه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ) رضي الله عنه (فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا. فقال) صلى الله عليه وسلم: (اجلس يرحمك الله، إنك ما علمت لموفق) ، قال العراقي : متفق عليه مقتصرا على سؤال عبد الله بن حذافة ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى : nindex.php?page=hadith&LINKID=656750فقام آخر فقال: من أبي؟ قال: أبوك مولى شيبة . اهـ .
أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها، ( ولا ترهقني من أمري عسرا ) بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي، فإن ذلك يعسر علي متابعتك و"عسرا" مفعول ثان لـ"ترهق"؛ فإنه يقال: رهقه، إذا غشيه وأرهقه إياه، (فلما لم يصبر حتى سأل ثالثا) الأول عن السفينة، والثاني عن قتل الغلام، والثالث عن إقامة الجدار ( قال هذا فراق بيني وبينك ) الإشارة إلى الفراق الموعود بقوله: فلا تصاحبني [ ص: 581 ] أو إلى الاعتراض الثالث أو الوقت، (وفارقه) ، وكان ما كان مما هو مذكور في القرآن .