وهو الكتاب التاسع من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الخالق البارئ المصور العزيز الجبار المتكبر العلي الذي لا يضعه عن مجده واضع الجبار الذي كل جبار له ذليل خاضع ، وكل متكبر في جناب عزه مسكين متواضع فهو القهار الذي لا يدفعه عن مراده دافع ، الغني الذي ليس له شريك ولا منازع القادر الذي بهر أبصار الخلائق جلاله وبهاؤه وقهر العرش المجيد استواؤه واستعلاؤه واستيلاؤه وحصر ألسن الأنبياء وصفه وثناؤه ، وارتفع عن حد قدرتهم إحصاؤه واستقصاؤه ، فاعترف بالعجز عن وصف كنه جلاله ملائكته وأنبياؤه وكسر ظهور الأكاسرة عزه وعلاؤه وقصر أيدي القياصرة عظمته وكبرياؤه فالعظمة إزاره والكبرياء رداؤه ومن نازعه فيهما قصمه بداء الموت ، فأعجزه دواؤه جل جلاله وتقدست أسماؤه والصلاة على محمد الذي أنزل عليه النور المنتشر ضياؤه حتى أشرقت بنوره أكناف العالم وأرجاؤه وعلى آله وأصحابه الذين هم أحباء الله وأولياؤه وخيرته وأصفياؤه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته .
وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاث مهلكات:شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه فالكبر والعجب داءان مهلكان ، والمتكبر والمعجب سقيمان مريضان ، وهما عند الله ممقوتات بغيضان .
وإذا كان القصد في هذا الربع من كتاب إحياء علوم الدين شرح المهلكات وجب إيضاح الكبر والعجب ؛ فإنهما من قبائح المرديات .
ونحن نستقصي بيانهما من الكتاب في شطرين ؛ شطر في الكبر ، وشطر في العجب .
الشطر الأول من الكتاب في الكبر .
وفيه بيان ذم الكبر وبيان ذم الاختيال ، وبيان فضيلة التواضع ، وبيان حقيقة التكبر وآفته ، وبيان من يتكبر عليه ، ودرجات التكبر ، وبيان ما به التكبر ، وبيان البواعث على التكبر ، وبيان أخلاق المتواضعين ، وما فيه يظهر الكبر ، وبيان علاج الكبر .
وبيان امتحان النفس في خلق الكبر ، وبيان المحمود من خلق التواضع والمذموم ، منه .
(بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، الله ناصر كل صابر) *
*الحمد لله العلي عن شبه المخلوقين، الغالب لمقال الواصفين، الظاهر بعجائب تدبيره للناظرين، الباطن بجلال عزته عن فكر المتوهمين .
*أحمده استتماما لنعمته، واستسلاما لعزته، واستعفافا عن معصيته، وأستعينه فاقة إلى كفايته؛ إنه لا يضل من هداه، ولا يجل من عاداه، ولا يفتقر من كفاه .
*وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة ممتحنا إخلاصها، مقتصدا مصاصها، نتمسك بها أبدا ما أبقانا، وندخرها لأهاويل ما يلقانا؛ فإنها عزيمة الإيمان، وفاتحة الإحسان، ومرضاة الرحمن، ومدحرة الشيطان .
*وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، فرتق به المفاتق، وساور به الغالب، وذلل به الصعوبة، وسهل به الحزونة، حتى سرح الضلال، عن يمين وشمال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، عباب علمه، وموائد حكمه، وكهوف ثبته، ورجال دينه، بهم أنام الخنا ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه، وسلم تسليما كثيرا .
وبعد، فهذا شرح (كتاب ذم العجب والكبر) وهو التاسع، من الربع الثالث من كتاب الإحياء، للإمام حجة الإسلام nindex.php?page=showalam&ids=14847أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، أمطر الله على ضريحه سحب الرحمة تزدحم وتوالى، قصدت فيه إبراز ما خفي من مخدرات أبكاره، وتبيين ما استدق من زواهر أسراره، وإيضاح ما أبهم من رواة أخباره، وإذاعة ما أودع في سياقه من محصلات أذكاره، على نسق يرتضيه العالمون، ووجه ينتحيه المخلصون، ونهج يهتدي به السالكون، ومحجة يقتفيها المتقون، معتصما بالله في تكميل ما أنا بصدده، متوكلا عليه، مستعينا بفيض مدده؛ إنه العون لمن أخلص إليه، وقصر نظره على الخير من يديه .
قال رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) مفتاح كل كتاب، كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في الجامع من رواية أبي جعفر محمد بن علي معضلا .
(الحمد لله الخالق البارئ المصور) اعلم أنه قد يظن أن هذه الأسماء الثلاثة مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع، ولا ينبغي أن يكون كذلك، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى تقدير أولا، وإلى إيجاد على وفق التقدير ثانيا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا، والله تعالى خالق من حيث إنه مقدر، بارئ من حيث إنه مخترع موجد، ومصور من حيث إنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب .
وهذا كالبناء مثلا، فإنه يحتاج إلى مقدر يقدر ما لا بد منه من الخشب واللبن ومساحة الأرض وعدد الأبنية وطولها وعرضها، وهذا يتولاه المهندس، فيرسمه ويصوره، ثم يحتاج إلى بناء يتولى الأعمال التي تحدث عندها أصول الأبنية، ثم يحتاج إلى مزين ينقش ظاهره، ويزين صورته، فيتولاه غير البناء، وهذه هي العادة في التقدير والبناء والتصوير، وليس كذلك في أفعال الله تعالى، بل هو المقدر والموجد والمزين، فهو الخالق البارئ المصور، وهو باعتبار تقدير الأمور وباعتبار الإيجاد على وفق التقدير خالق، وباعتبار مجرد الإيجاد والاختراع من العدم إلى الوجود بارئ، والإيجاد المجرد شيء والإيجاد على وفق التقدير شيء آخر، وهذا يحتاج إليه من يبعد رد الخالق إلى مجرد التقدير، مع أن له في اللغة وجها؛ إذ العرب تسمي الحذاء خالقا [ ص: 335 ] لتقديره بعض طاقات النعل على بعض، كما قال الشاعر:
(العزيز) هو الخطير الذي يقل وجود مثله، وتشتد الحاجة إليه، ويصعب الوصول إليه، فما لم تجتمع هذه المعاني الثلاثة لم يطلق اسم العزيز عليه، ثم في كل واحد من المعاني الثلاثة كمال ونقصان، فالكمال في قلة الوجود أن يرجع إلى واحد؛ إذ لا أقل من واحد يكون بحيث يستحيل وجود مثله، وليس هو إلا الله تعالى، والكمال في شدة الحاجة أن يحتاج إليه كل شيء في كل شيء، حتى في وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك على الكمال إلا لله تعالى، والكمال في صعوبة الوصول على معنى الإحاطة بكنهه، وليس ذلك على الكمال إلا لله تعالى، فهو العزيز المطلق الحق الذي لا يوازيه فيه غيره .
(المتكبر) هو الذي يرى الكل حقيرا بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد، فإن كانت الرؤية صادقة كان التكبر حقا، وكان صاحبها متكبرا حقا، ولا يتصور ذلك على الإطلاق إلا لله تعالى، وإن كان التكبر والاستعظام باطلا ولم يكن ما يراه من التفرد بالعظمة كما يراه كان التكبر باطلا ومذموما، وكل من رأى العظمة والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رؤيته كاذبة، ونظره باطلا، إلا الله سبحانه وتعالى .
(العلي الذي لا يضعه عن مجده واضع) لأن العلو عبارة عن الفوقية، والموجودات بأسرها ما لا يمكن قسمتها إلى درجات متفاوتة في العقل إلا ويكون الحق تعالى في الدرجة العليا من درجات أقسامها، حتى لا يتصور أن يكون فوقه درجة، وذلك هو العلي المطلق، وكل ما سواه فيكون عليا بالإضافة إلى ما دونه، ويكون دنيا أو سافلا بالإضافة إلى ما فوقه .
(الجبار الذي كل جبار له ذليل خاضع، وكل متكبر في جانب عزه مستكين متواضع) تقدم معنى الجبار والمتكبر قريبا، والاستكانة الذل والمسكنة، واختلف في سينها فقيل هي أصلية وقيل: زائدة .
(فهو القهار) لا موجود إلا وهو مسخر تحت قهره وقدرته، فهو (لا يدافعه عن مراده دافع، الغني الذي) لا تعلق له بغيره لا في ذاته ولا في صفاته، بل هو منزه عن العلاقة مع الأغيار (ليس له في ملكه شريك ولا منازع) وكان من شاركه في نكد، أو نازعه في أمر فهو محتاج فقير إلى الكسب، ولا يتصور أن يكون غنيا مطلقا إلا الله تعالى .
(القادر الذي بهر أبصار الخلائق جلاله وبهاؤه) لأنه اخترع كل موجود اختراعا انفرد به، واستغنى فيه عن معاونة غيره، فأبصار الخلائق دون عظمته وجلاله خاسرة (وقهر العرش المجيد استواؤه) واستواؤه استعلاؤه (واستيلاؤه) يشير إلى أن الاستواء في اللغة يتردد بين ثلاثة معان، معنيان جائزان على الله تعالى وهما الاستعلاء والاستيلاء، وواحد باطل .
واعلم أن الموجودات بأسرها تنقسم إلى ما هو سبب وإلى ما هو مسبب، والسبب فوق المسبب فوقية بالرتبة، والفوقية المطلقة ليست إلا لمسبب الأسباب؛ ولذلك تنقسم الموجودات إلى حي وميت، والحي ينقسم إلى ما ليس له الإدراك الحسي وهو البهيمة، وإلى ما له مع الحس الإدراك العقلي، والذي له الإدراك العقلي ينقسم إلى ما يعارضه في إدراكه الشهوة والغضب وهو الإنسان وإلى ما سلم إدراكه عن معارضة الكدورات، والذي يسلم عنها ينقسم إلى ما يمكن أن يبتلى بها وإن رزق السلامة كالملائكة وإلى ما يستحيل ذلك في حقه وهو الله سبحانه وتعالى، وليس يخفى عليك في هذا القسم التدريج؛ إذ الملك فوق الإنسان، والإنسان فوق البهيمة، وإن الله تعالى فوق الكل، فهو العلي المطلق المنزه عن جميع أنواع النقص، فقد وقع الميت في الدرجة السفلى من درجات الكمال، ولم يقع في العلو إلا الله تعالى .
وهكذا ينبغي أن يفهم فوقيته وعلوه؛ فإن هذه الأسامي وضعت [ ص: 336 ] أولا بالإضافة إلى إدراك البصر وهو درجة العوام، ثم لما تنبه الخواص لإدراك البصائر وجدوا بينها وبين الأبصار موازنات استعاروا منها الألفاظ المطلقة، وفهمها الخواص، وأنكرها العوام، فلم يفهموا عظمته إلا بالمسافة، ولا علوا إلا بالمكان، فإذا فهمت هذا فهمت معنى استوائه على العرش؛ لأن العرش أعظم الأجسام الموجودات، وهو فوق جميعها، والموجود المنزه عن التحدد والتعدد بحدود الأجسام ومقاديرها فوق الأجسام كلها في المرتبة، ولكن خص العرش بالذكر؛ لأنه فوق جميع الأجسام، فما كان فوقها كان فوق جميعها، وهو كقول القائل: الخليفة فوق السلطان؛ تنبيها به على أنه إذا كان فوقه كان فوق جميع الناس الذين هم دون السلطان، وقد تقدم الكلام في الاستواء في شرح كتاب قواعد العقائد مفصلا .
(وحصر ألسن الأنبياء) عليهم السلام، وهم خواص عباده المقربين (وصفه وثناؤه، وارتفع عن حد قدرتهم إحصاؤه واستقصاؤه، فاعترف بالعجز عن وصف كنه جلاله ملائكته وأنبياؤه) فإن نهاية معرفة العارفين عجزهم عن المعرفة، ومعرفتهم بالحقيقة هي أنهم لا يعرفونه، وأنهم لا يمكنهم البتة معرفته، وأنه يستحيل أن يعرف الله المعرفة الحقيقية المحيطة بكنه صفات الربوبية إلا الله تعالى، فإذا انكشف لهم انكشافا برهانيا فقد بلغوا المنتهى الذي يمكن في حق الخلق من معرفته، وهو الذي أشار إليه الصديق الأكبر -رضي الله عنه- حيث قال: "العجز عن درك الإدراك إدراك" بل هو الذي عناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=14872 "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" ولم يرد به أنه عرف منه ما لا يطاوعه لسانه في العبارة عنه، بل معناه: إني لا أحيط بمحامدك وصفات إلهيتك، وإنما أنت المحيط بها وحدك .
فإذا: لا يحيط مخلوق من ملاحظة حقيقة ذاته إلا بالحيرة والدهشة، وأما اتساع المعرفة فإنما يكون في معرفة أسمائه وصفاته .
(وكسر ظهور الأكاسرة عزه وعلاؤه) المراد بالأكاسرة ملوك الفرس، جمع كسرى، وهو لقب كل من ملك بلاد الفرس (وقصر أيدي القياصرة عظمته وكبرياؤه) المراد بالقياصرة ملوك الروم، جمع قيصر، وهو كل من ملك بلاد الروم، وفي كل من الجملتين جناس اشتقاق .
(فالعظمة إزاره والكبرياء رداؤه) العظمة كون الشيء في نفسه كاملا شريفا مستغنيا، والكبرياء كناية عن كمال الذات، وأعني بكمال الذات كمال الوجود، وكمال الوجود يرجع إلى شيئين؛ أحدهما دوامه أزلا وأبدا، والثاني أن وجوده هو الوجود الذي يصدر عنه وجود كل موجود، ومعنى كونهما إزاره ورداءه أنهما من خاص صفاته كما يليق به .
(ومن نازعه فيهما) أي: جاذبه إياهما بأن تعظم على عباده وتكبر (قصمه) أي: كسره (بداء الموت، فأعجزه دواؤه) إذ لا دواء له (جل جلاله) أي: عظم تناهيه في عظم القدر (وتقدست أسماؤه) أي: تنزهت عن أن يلحقها نقص .
(والصلاة على) سيدنا (محمد الذي أنزل معه النور المنتشر ضياؤه) اعلم أن العقول وإن كانت مبصرة فليست المبصرات كلها عندها على مرتبة واحدة، بل بعضها يكون عندها كأنها حاضرة كالعلوم الضرورية، وبعضها ما لا يقارن العقل في كل حال إذا عرض عليه، بل يحتاج إلى أن ينبه عليه بالتنبيه كالنظريات، فإنما ينبهه كلام الحكمة، فعند إشراق نور الحكمة يصير العقل مبصرا بالفعل بعد أن كان مبصرا بالقوة، وأعظم الحكم كلام الله تعالى، ومن جملة كلامه القرآن خاصة، فتكون منزلة آيات القرآن عند عين العقل منزلة نور الشمس عند العين الظاهرة؛ إذ به يتم الإبصار، فبالحري أن يسمى القرآن نورا كما يسمى نور الشمس نورا، فمثال القرآن نور الشمس ومثال العقل نور العين، وبهذا يفهم معنى قوله تعالى: فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا وقوله تعالى: قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا وبين النور والضياء عموم وخصوص (حتى أشرقت بنوره أكناف العالم وأرجاؤه) أي: أطرافه من سائر الجهات .
(وعلى آله وأصحابه الذين هم أحباؤه وأولياؤه وخيرته وأصفياؤه) أي: أحبهم الله بحبه، ووالاهم وقربهم وأدناهم واختارهم واصطفاهم (وسلم) تسليما (كثيرا، أما بعد: فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله تعالى: الكبرياء ردائي) والعظمة (إزاري) اختلفوا في معنى ذلك، فقال الكلاباذي: الرداء عبارة عن الجمال والبهاء، والإزار عبارة عن الجمال والستر والحجاب، فكأنه قال: لا يليق الكبرياء إلا بي [ ص: 337 ] لأن من دوني صفات الحدوث لازمة له، وسمة العجز ظاهرة عليه .
والإزرار عبارة عن الامتناع عن الإدراك والإحاطة به علما وكيفية لذاته وصفاته، فكأنه قال: حجبت خلقي عن إدراك ذاتي وكيفية صفاتي بالجلال والعظمة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: الكبرياء الكبر، وهو الترفع على الغير بأن يرى لنفسه عليه شرفا، والعظمة كون الشيء في نفسه كاملا شريفا مستغنيا، فالأول أرفع من الثاني؛ إذ هو غاية العظمة؛ فلذا مثله بالرداء .
وقيل: الكبرياء الترفع عن الانقياد، وذلك لا يستحقه إلا الحق، فكبرياء ألوهيته التي هي عبارة عن استغنائه واستعلائه ومثلهما بالرداء إبرازا للمعقول في صورة المحسوس، فكما لا يشارك الرجل في ردائه وإزاره لا يشارك الباري في هذين؛ فإنه الكامل المنعم المنفرد بالبقاء وما سواه ناقص محتاج .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: هذا وارد عن غضب شديد، ومناد على سخط عظيم؛ لأن القصم أقطع الكسر، وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم. اهـ .
وقال صاحب الحكم: كن بأوصاف ربوبيته متعلقا، وبأوصاف عبوديتك متحققا، منعك أن تدعي ما ليس لك مما للمخلوقين، أفيبيح لك أن تدعي وصفه وهو رب العالمين؟!
وقد أفاد هذا الوعيد أن التكبر والتعاظم من الكبائر، قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك دون ذكر العظمة، وقال: صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، وتقدم في العلم، وسيأتي بعد حديثين بلفظ آخر. اهـ .
أما المهلكات: (شح مطاع) أي: بخل يطيعه الإنسان، فلا يؤدي ما عليه من حق الحق وحق الخلق، فلا يكون مجرد الشح مهلكا إلا إذا كان مطاعا، وإلا فهو من لوازم النفس، قال الراغب: خص المطاع لينبه أن الشح في النفس ليس مما يستحق به ذما؛ إذ ليس هو من فعله، وإنما يذم بالانقياد له .
(فالكبر والعجب داءان مهلكان، والمتكبر والمعجب) بنفسه (سقيمان مريضان، وهما عند الله ممقوتان بغيضان، وإذا كان القصد في هذا الربع من كتاب إحياء علوم الدين شرح المهلكات وجب إيضاح الكبر والعجب؛ فإنهما من قبائح المرديات) الردى: هو الهلاك، وأرداه أوقعه فيه .
(ونحن نستقصي بيانهما من الكتاب في شطرين؛ شطر في الكبر، وشطر في العجب .
الشطر الأول من الكتاب في الكبر، وفيه بيان ذم الاختيال، وبيان فضيلة التواضع، وبيان حقيقة الكبر وآفته، وبيان من يتكبر عليه، ودرجات الكبر، وبيان ما به التكبر، وبيان الباعث على التكبر، وبيان اختلاف المتواضعين، وما فيه يظهر التكبر، وبيان علاج الكبر، وبيان امتحان النفس في خلق الكبر، وبيان المحمود من خلق التواضع، وبيان المذموم منه)