الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
والمقصود أن استشعار النفس عز العظمة في القلوب يكون باعثا في الخلوة ، وقد لا يشعر العبد به ، فينبغي أن يلزم نفسه الحذر منه ، وعلامة سلامته أن يكون الخلق عنده والبهائم بمثابة واحدة ، فلو تغيروا عن اعتقادهم له لم يجزع ولم يضق به ذرعا إلا كراهة ضعيفة إن وجدها في قلبه فيردها في الحال بعقله وإيمانه فإنه ، لو كان في عبادة واطلع الناس كلهم عليه لم يزده ذلك خشوعا ، ولم يداخله سرور بسبب اطلاعهم عليه ، فإن دخل سرور يسير فهو دليل ضعفه ، ولكن إذا قدر على رده بكراهة العقل والإيمان ، وبادر إلى ذلك ، ولم يقبل ذلك السرور بالركون إليه فيرجى له أن لا يخيب سعيه ، إلا أن يزيد عند مشاهدتهم في الخشوع والانقباض كي لا ينبسطوا إليه ، فذلك لا بأس به ، ولكن فيه غرور ؛ إذ النفس قد تكون شهوتها الخفية إظهار الخشوع وتتعلل ، بطلب الانقباض فيطالبها ، في دعواها قصد الانقباض بموثق من الله غليظ ، وهو أنه لو علم أن انقباضهم عنه إنما حصل بأن يعدوا كثيرا أو يضحك كثيرا ، أو يأكل كثيرا ، فتسمح نفسه بذلك ، فإذا لم تسمح وسمحت بالعبادة فيشبه أن يكون مرادها المنزلة عندهم ولا ينجو من ذلك إلا من تقرر في قلبه أنه ليس في الوجود أحد سوى الله فيعمل عمل من لو كان على وجه الأرض وحده لكان يعمله فلا ، يلتفت قلبه إلى الخلق إلا خطرات ضعيفة ، لا يشق عليه إزالتها فإذا كان كذلك لم يتغير بمشاهدة الخلق .

ومن علامة الصدق فيه أنه لو كان له صاحبان أحدهما غني والآخر فقير فلا يجد عند إقبال الغني زيادة هزة في نفسه لا كرامة ، إلا إذا كان في الغني زيادة علم أو زيادة ورع ، فيكون مكرما له بذلك الوصف ، لا بالغنى ، فمن كان استرواحه إلى مشاهدة الأغنياء أكثر فهو مراء ، أو طماع ، وإلا فالنظر إلى الفقراء يزيد في الرغبة إلى الآخرة ، ويحبب إلى القلب المسكنة والنظر إلى الأغنياء بخلافه فكيف استروح بالنظر إلى الغني أكثر مما يستروح إلى الفقير ؟! وقد حكي أنه لم ير الأغنياء في مجلس أذل منهم فيه في مجلس سفيان الثوري كان ، يجلسهم وراء الصف ، ويقدم الفقراء ، حتى كانوا يتمنون أنهم فقراء في مجلسه .

نعم ، لك زيادة إكرام للغني إذا كان أقرب إليك ، أو كان بينك وبينه حق وصداقة سابقة ، ولكن يكون بحيث لو وجدت تلك العلاقة في فقير لكنت لا تقدم الغني عليه في إكرام وتوقير البتة ؛ فإن الفقير أكرم على الله من الغني فإيثارك لا يكون إلا طمعا في غناه ، ورياء له ، ثم إذا سويت بينهما في المجالسة فيخشى عليك أن تظهر الحكمة والخشوع للغني أكثر مما تظهره للفقير ، وإنما ذلك رياء خفي ، أو طمع خفي ، كما قال ابن السماك لجارية له مالي : إذا أتيت بغداد فتحت لي الحكمة ، فقالت : الطمع يشحذ لسانك وقد صدقت فإن اللسان ينطق عند الغني بما لا ينطق به عند الفقير وكذلك يحضر من الخشوع عنده ما لا يحضره عند الفقير .

ومكايد النفس وخفاياها في هذا الفن لا تنحصر ، ولا ينجيك منها إلا أن تخرج ما سوى الله من قلبك وتتجرد بالشفقة على نفسك بقية عمرك ، ولا ترضى لها بالنار بسبب شهوات منغصة في أيام متقاربة وتكون في الدنيا كملك من ملوك الدنيا ، قد أمكنته الشهوات وساعدته اللذات ، ولكن في بدنه سقم وهو يخاف الهلاك على نفسه في كل ساعة لو اتسع في الشهوات وعلم أنه لو احتمى وجاهد شهوته عاش ودام ملكه ، فلما عرف ذلك جالس الأطباء وحارف الصيادلة وعود نفسه شرب الأدوية المرة وصبر على بشاعتها وهجر جميع اللذات ، وصبر على مفارقتها ، فبدنه كل يوم يزداد نحولا لقلة أكله ، ولكن سقمه يزداد كل يوم نقصانا لشدة احتمائه ، فمهما نازعته نفسه إلى شهوة تفكر في توالي الأوجاع والآلام عليه وأداه ، ذلك إلى الموت المفرق بينه وبين مملكته ، الموجب لشماتة الأعداء به ومهما اشتد عليه شرب دواء تفكر فيما يستفيده منه من الشفاء الذي هو سبب التمتع بملكه ونعيمه في عيش هنيء ، وبدن صحيح ، وقلب رخي وأمر نافذ ، فيخف عليه مهاجرة اللذات ومصابرة المكروهات .

فكذلك . المؤمن المريد لملك الآخرة احتمى عن كل مهلك له في آخرته ، وهي لذات الدنيا وزهرتها ، فاجتزى منها بالقليل واختار النحول والذبول والوحشة والحزن والخوف ، وترك المؤانسة بالخلق ؛ خوفا من أن يحل عليه غضب من الله فيهلك ورجاء أن ينجو من عذابه ، فخف ذلك كله عليه عند شدة يقينه ، وإيمانه بعاقبة أمره وبما أعد له من النعيم المقيم في رضوان الله أبد الآباد ثم علم أن الله كريم رحيم لمن ، يزل لعباده المريدين لمرضاته عونا وبهم رءوفا ، وعليهم عطوفا ، ولو شاء لأغناهم عن التعب ولكن أراد أن يبلوهم ويعرف صدق إرادتهم ؛ حكمة منه وعدلا ثم إذا تحمل التعب في بدايته أقبل الله عليه بالمعونة والتيسير وحط عنه الأعباء وسهل عليه الصبر وحبب إليه الطاعة ورزقه فيها من لذة المناجاة ما يلهيه عن سائر اللذات ويقويه على إماتة الشهوات ويتولى ، سياسته وتقويته ، وأمده بمعونته فإن الكريم لا يضيع سعي الراجي ، ولا يخيب أمل المحب ، وهو الذي يقول من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ويقول تعالى لقد طال شوق الأبرار إلى لقائي وإني ، إلى لقائهم أشد شوقا ، فليظهر العبد في البداية جده وصدقه وإخلاصه فلا يعوزه من الله تعالى على القرب ما هو اللائق بجوده وكرمه ورأفته ورحمته تم كتاب ذم الجاه والرياء والحمد لله وحده .

التالي السابق


(والمقصود أن استشعار النفس عز العظمة في القلوب يكون باعثا في الخلوة، وقد لا يشعر العبد به، فينبغي أن يلزم نفسه الحذر منه، وعلامة سلامته أن يكون الخلق عنده والبهائم بمثابة واحدة، فلو تغيروا عن اعتقادهم لم يجزع) من ذلك (ولم يضق به ذرعا إلا كراهة ضعيفة أن وجدها في قلبه فيردها في الحال بعقله وإيمانه، وأنه لو كان في عبادة فاطلع الناس كلهم عليه لم يزده ذلك خشوعا، ولم يداخله سرور بسبب اطلاعهم عليه، فإن دخل سرور يسير فهو دليل ضعفه، ولكن) مع ذلك (إذا قدر على رده بكراهة العقل والإيمان، وبادر إلى ذلك، ولم يقبل السرور) وذلك (بالركون إليه) أي: ميل الطبع (فيرجى له أن لا يخيب سعيه، إلا أن يزيد عند مشاهدتهم في الخشوع والانقباض) في نفسه (كيلا ينبسطوا إليه، فذلك لا بأس به، ولكن فيه غرور؛ إذ النفس قد تكون شهوتها الخفية إظهار الخشوع، وتتعطل بطلب الانقباض، فليطالبها في دعواها قصد الانقباض بموثق من الله غليظ، وهو أنه لو علم أن انقباضهم عنه إنما حصل بأن يعدو سريعا، أو يأكل كثيرا، أو يضحك، فتسمح نفسه بذلك، فإذا لم تسمح به وسمح بالعبادة فيشبه أن يكون مرادها المنزلة عندهم) في قلوبهم .

(ولا ينجو من ذلك إلا من تقرر في قلبه أنه ليس في الوجود أحد سوى الله) تعالى، وهو التوحيد الصرف (فيعمل عمل من لو كان على وجه الأرض وحده لكان بعمله، ولا يلتفت قلبه إلى الخلق إلا خطرات [ ص: 332 ] ضعيفة، لا يشق عليه إزالتها) بأهون سبب .

(فإذا كان كذلك لم يتغير بمشاهدة الخلق) ووجود مثل ذلك عزيز (ومن علامة الصدق فيه أنه لو كان له صاحبان أحدهما غني) وذو مال (والآخر فقير) لا شيء له (فلا يجد عند إقبال الغني زيادة هزة في نفسه لإكرامه، إلا إذا كان في الغني زيادة علم أو زيادة ورع، فيكون مكرما له بذلك الوصف، لا بالغنى، فمن كان استرواحه إلى مشاهدة الغني) وفي نسخة: الأغنياء (أكثر فهو) إما (مراء، أو طماع، وإلا فالنظر إلى الفقراء يزيد رغبة في الآخرة، ويحبب إلى القلب المسكنة) والتواضع (والنظر إلى الأغنياء بخلافه) أي: يزيد الرغبة في الدنيا، ويحبب إلى القلب التجبر والبطر (فكيف يستروح إلى الغني أكثر مما يستروح إلى الفقير؟! وقد حكي أنه لم ير الأغنياء في مجلس أذل منهم في مجلس سفيان الثوري، وكان يجلسهم وراء الصف، ويقدم الفقراء، حتى كانوا يتمنون أنهم فقراء في مجلسه) .

قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن بركة، حدثنا يوسف بن سعد بن مسلم، سمعت قبيصة يقول: "ما رأيت الأغنياء أذل منهم في مجلس سفيان الثوري".

وحدثنا محمد بن علي، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن المواز بمصر، حدثنا إبراهيم بن أبي داود، حدثنا سعيد بن أسلم، عن أبيه، عن حماد بن دليل قال: "ما كنا نأتي سفيان إلا في خلقان ثيابنا" .

(نعم، لك زيادة إكرام الغني إذا كان أقرب إليك، أو كان بينك وبينه حق وصداقة سابقة، ولكن بحيث لو وجدت تلك العلاقة في فقير لكنت لا تقدم الغني عليه في إكرام وتوفير البتة؛ فإن الفقير أكرم على الله من الغني ) فالنظر إلى تفضيل الغني على الفقير كما سيأتي بيانه .

(فإيثارك له لا يكون إلا طمعا في غناه، ورياء له، ثم إذا سويت بينهما في المجالسة) ولم تميز (فيخشى عليك أن تظهر الحكمة والخشوع للغني أكثر مما تظهره للفقير، وإنما ذلك لرياء خفي، أو طمع خفي، كما قال) محمد بن صبيح (ابن السماك) البغدادي الواعظ (لجارية له: ما لي إذا أتيت بغداد فتحت لي الحكمة، فقالت: الطمع يشحذ لسانك) أي: يجعله حديدا منطلقا في الفصاحة (وقد صدقت) الجارية (فإن اللسان ينطلق عند الغني بما لا ينطلق) وفي نسخة: أكثر مما ينطلق (عند الفقير) وما ذلك إلا لطمع أو رياء، ومن قولهم: اللها تفتح اللها .

(وكذلك يحضر من الخشوع عنده ما لا يحضر عند الفقير) لأنه لا يكترث بالفقير في مجلسه، فكيف يؤاتيه الخشوع؟!

(ومكايد النفس وخفاياها في هذا الفن لا تنحصر، ولا ينجيك منها إلا بأن تخرج ما سوى الله من قلبك) فلا يكون له تعلق بسواه أبدا (وتتجرد للشفقة على نفسك بقية عمرك، ولا ترضى لها بالنار بسبب) ارتكاب (شهوات منغصة) أي: مكدرة (في أيام متقاربة منقضية) سريعة الذهاب، وفي الخبر: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" (وتكون في الدنيا كملك من ملوك الدنيا، قد أمكنته الشهوات وساعدته اللذات، ولكن في بدنه سقم) أي: مرض (وهو يخاف الهلاك على نفسه في كل ساعة لو اتسع في الشهوات) أي: في تناولها (وعلم أنه لو احتمى) عنها (وجاهد) فيه (شهوته عاش ودام ملكه، فلما عرف ذلك) من نفسه (جالس الأطباء وحارف) أي: نادم (الصيادلة) وهم الذين يبيعون العقاقير (وعود نفسه شرب الأدوية المرة) الكريهة الطعم (فصبر على بشاعتها) وكراهتها (وهجر جميع اللذات، وصبر على مفارقتها، فبدنه كل يوم يزداد نحولا) أي: تغيرا ونقصا (لقلة أكله، ولكن سقمه كل يوم يزداد [ ص: 333 ] نقصانا لشدة احتمائه، فمهما نازعته نفسه إلى شهوة تفكر في توالي الآلام والأوجاع عليه، وأدى ذلك إلى الموت المفرق بينه وبين مملكته، الموجب لشماتة الأعداء) أي: فرحهم فيه (ومهما اشتد عليه شرب دواء) كريه الطعم (تفكر فيما يستفيده منه من الشفاء الذي هو سبب التمتع بملكه ونعيمه في عيش هني، وبدن صحيح، وقلب رضي) أي: منشرح (وأمر نافذ، فيخف عليه مهاجرة اللذات) والشهوات (ومصابرة المكروهات .

وكذلك المؤمن المريد لملك الآخرة احتمى من كل مهلك له في آخرته، وهي لذات الدنيا وزهراتها، فاجتزى) أي: اكتفى (منها بالقليل) قدر البلاغ (واختار النحول والذبول والوحشة والحزن والخوف، وترك المؤانسة بالخلق؛ خوفا من أن يحل عليه غضب الله فيهلك) هلاك الأبد .

(ورجاء أن ينجو من عذابه، فخف ذلك كله عند شدة يقينه، وإيمانه بعاقبة أمره) بما سيصير إليه (وبما أعد له من النعيم في رضوان الله) غير منقطع (أبد الآباد) ودهر الدهور .

(ثم علم أن الله كريم رحيم، لم يزل لعباده المريدين لمرضاته عونا) ومعينا (وبهم رؤوفا، وعليهم عطوفا، ولو شاء لأغناهم عن التعب والنصب) وساق لهم لذات الدنيا بأسرها (ولكن) حماهم عنها، و (أراد أن يبلوهم) ويخبرهم (ويعرف صدق إرادتهم؛ حكمة منه وعدلا) وإليه يشير قوله تعالى: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا .

(ثم إذا تحمل) المريد (التعب في بدايته) من جهة مجاهدة النفس، وقطعها من مألوفاتها (أقبل الله عليه بالمعونة) الباطنية (والتيسير) لأسباب الخير (وحط عنه الأعباء) أي: الأثقال (وسهل عليه الصبر) وحبب إليه الطاعة، ورزقه فيها من لذة المناجاة ما يلهيه عن سائر اللذات، بل لا توازيها لذة (ويقويه على إماتة الشهوات، وتولى سياسته وتقويته، وأمده بمعونته) وقربه إليه (فإن الكريم) من شأنه أنه (لا يضيع سعي الراجي، ولا يخيب أمل المحب، وهو الذي يقول) فيما أخبرنا عنه نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (من تقرب إلي) أي: طلب قربه مني بالطاعة (شبرا) أي: مقدارا قليلا (تقربت منه ذراعا) أي: وصلت رحمتي إليه قدرا أزيد منه، وكلما زاد العبد قربة زاده الله رحمة (ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه ميلا) .

وتمام الحديث: "وإذا أتى إلي مشيا أتيته هرولة" رواه البخاري من حديث قتادة، عن أنس. ورواه أيضا من رواية التميمي، عن أنس، عن أبي هريرة مرفوعا .

ورواه أبو عوانة، والطبراني، والضياء من حديث سلمان بلفظ: "قال الله تعالى: إذا تقرب العبد إلي شبرا" إلخ، قال النووي: معناه: من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي، وإن زاد زدت، فإن أتاني يمشي، وأسرع في طاعتي أتيته هرولة، أي: صببت عليه الرحمة، وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود .

وقال عياض: "العبد لا يزال يتقرب إلى الله بأنواع الطاعات، وأصناف الرياضات، ويترقى في مقام إلى آخر أعلى منه حتى يستغرق بملاحظة جناب قدسه، بحيث ما لاحظ شيئا إلا لاحظ ربه، فما التفت إلى حاس ومحسوس، وصانع ومصنوع، وفاعل ومفعول، إلا رأى الله، وهو آخر درجات السالكين، وأول درجات الواصلين" اهـ .

وروى الطيالسي في مسنده من حديث أبي ذر: "قال ربكم -عز وجل-: الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة أو أغفرها" ثم ساق الحديث، وفيه: "من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا" وهذا أشبه بسياق المصنف .

ورواه أحمد ومسلم وابن ماجه وأبو عوانة بنحوه، وروى أحمد وعبد بن حميد من حديث أنس: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم، وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا، وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة".

رواه ابن شاهين في الترغيب في الذكر من حديث ابن عباس بلفظ: "يقول الله: ابن آدم" وفيه معمر بن زائدة، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه. ورواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة بلفظ: "يقول الله -عز وجل-: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني" إلخ .

[ ص: 334 ] (ويقول) عز وجل: (قد طال شوق الأبرار إلى لقائي، وأنا إلى لقائهم أشد شوقا، فليظهر العبد في البداية جده) أي: اجتهاده (وصدقه) في العمل (وإخلاصه) بأن لا يشرك فيه غير من يعمل له (فلا يعوزه من الله على القرب ما هو اللائق بجوده وكرمه ورأفته ورحمته) فمن جد وجد، ومن صدق في العمل نال الأمل، ومن أخلص أجرى الله ينابيع الحكم إلى قلبه، وجعله من المقربين في حظيرة قدسه، على بساط أنسه، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين .

وبه تم كتاب ذم الجاه وحب المال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خلاصة الموجودات، وعلى آله وصحبه وسلم .

قال مؤلفه الإمام الكامل، والرحالة الشامل أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني -غفر الله ذنوبه، وستر بعميم فضله عيوبه-: فرغ من تسويد ذلك مسوده، وذلك في الرابعة من ليلة الخميس تاسع شهر ربيع الآخر، سنة 1200 حامدا ومصليا ومسلما ومستغفرا، اللهم انفعنا به وبأمثاله، آمين، والحمد لله رب العالمين .




الخدمات العلمية