في إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: اعلم (أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم) إلى الخلق أجمعين بالهدى ودين الحق، والمراد من الخلق: المخلوق; لأن إرساله إلى من يعقل من الجن والإنس، قال بعض العلماء: وإلى الملائكة. نقل ذلك التقي السبكي، وصرح الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى: ليكون للعالمين نذيرا ، بعدم دخول الملائكة في عموم من بعث صلى الله عليه وسلم إليهم، ثم اعلم أن العلم بثبوت الشيء فرع تصور ذلك الشيء، وتصور ذلك الشيء إن كان بحسب اسمه فلا يتوقف على وجوده، وإن كان بحسب حقيقته وماهيته فيتوقف على وجوده، والتصديق المفروض هو أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله، المفهوم من سياق المصنف، ولا بد لحصول هذا من العلم بوجود هذا الموضوع وتعيينه; إذ هو شخص، وتصور الشخص إنما هو بتعييناته الشخصية، فلا بد من الكلام على ما به يتعين شخصا، وذلك بالاستقراء من حيث نسبه ومولده ووفاته وزمانه وأسمائه الموجبة لشهرته، وشمائله التي امتاز بها عن غيره، فإذا كان كذلك فلا بد من ذكر ذلك على الإيجاز والاختصار; ليكمل المعتقد من كل الوجوه، وقد ذكر القرافي في ذخيرته، وأشار إليه في شرح الأربعين، أن جميع الأحوال المتعلقة بالرسول كلها - فضلا عما به يتعين- ترجع إلى العقائد، لا إلى العمل، فيجب البحث عن ذلك لتحصيل كمال المعتقد بذلك، أما وجوده صلى الله عليه وسلم فمعلوم بالضرورة تواترا عند أهل البرهان، وكشفا عند أولي العيان; فإن الصوفي يقول: العلم بوجوده صلى الله عليه وسلم من قبيل المحسوسات المرئية بالأبصار يقظة عند المقربين، ونوما عند غيرهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=650107 "من رآني فقد رآني حقا; فإن الشيطان لا يمثل بصورتي"، إذ معنى الحديث عند الأكثر: من رآه نوما؛ فتلك الرؤية مساوية للرؤية الحسية يقظة، بل معنى، كما نبه عليه علماء الحديث، فانظره .
وأما صفته صلى الله عليه وسلم وشمائله الزكية [ ص: 202 ] فليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد، ولا بالأبيض الأمهق، ولا الآدم، ولا بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان رجل الشعر، أزهر اللون، مشربا بحمرة في بياض، كان وجهه القمر، حسن العنق، ضخم الكراديس، أهدب الأشفار، أدعج العينين، حسن الثغر، ضليع الفم، حسن الأنف، إذا مشى يتكفأ، كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت معا، جل نظره إلى الأرض، كانت له جمة لم تبلغ شحمة أذنيه صلى الله عليه وسلم .