فإن قال: أنا أشهد بصحته ما لم يعارض العقل.
قيل: هذا لا يصح لوجوه:
أحدها: أن الدليل العقلي دل على صدق الرسول وثبوت ما أخبر به مطلقا، فلا يجوز أن يكون صدقه مشروطا بعدم المعارض.
الثاني: أنك إن جوزت عليه أن يعارضه العقل الدال على فساده لم تثق بشيء منه، لجواز أن يكون في عقل غيرك ما يدل على فساده، فلا تكون قد علمت بعقلك صحته البتة، وأنت تقول إنك علمت صحته بالعقل.
الثالث: أن ما يستخرجه الناس بعقولهم أمر لا غاية له، سواء كان حقا أو باطلا، فإذا جوز المجوز أن يكون في المعقولات ما يناقض خبر الرسول لم يثق بشيء من أخبار الرسول، لجواز أن يكون في المعقولات التي لم تظهر له بعد ما يناقض ما أخبر به الرسول.
ومن قال: أنا أقر من الصفات بما لم ينفه العقل، أو أثبت من السمعيات ما لم يخالفه العقل، لم يكن لقوله ضابط، فإن تصديقه بالسمع مشروط بعدم جنس لا ضابط له ولا منتهى، وما كان مشروطا بعدم ما لا ينضبط لم ينضبط، فلا يبقى مع هذا الأصل إيمان.
[ ص: 178 ]
ولهذا تجد من تعود معارضة الشرع بالرأي لا يستقر في قلبه الإيمان، بل يكون كما قال الأئمة: إن علماء الكلام زنادقة، وقالوا:
قل أحد نظر في الكلام إلا كان في قلبه غل على أهل الإسلام، ومرادهم بأهل الكلام من تكلم في الله بما يخالف الكتاب والسنة.
ففي الجملة: لا يكون الرجل مؤمنا حتى يؤمن بالرسول إيمانا جازما، ليس مشروطا بعدم معارض، فمتى قال: أؤمن بخبره إلا أن يظهر له معارض يدفع خبره لم يكن مؤمنا به، فهذا أصل عظيم تجب معرفته، فإن هذا الكلام هو ذريعة الإلحاد والنفاق.
الرابع: أنهم قد سلموا أنه يعلم بالسمع أمور.
كما يذكرونه كلهم من أن العلوم ثلاثة أقسام: منها ما لا يعلم إلا بالعقل، ومنها ما لا يعلم إلا بالسمع، ومنها ما يعلم بالسمع والعقل.
وهذا التقسيم حق في الجملة، فإن من الأمور الغائبة عن حس الإنسان ما لا يمكن معرفته بالعقل، بل لا يعرف إلا بالخبر.