[ ص: 229 ] وإذا كانت هذه الألفاظ مجملة ـ كما ذكر ـ فالمخاطب لهم إما أن يفصل ويقول: ما تريدون بهذه الألفاظ؟ فإن فسروها بالمعنى الذي يوافق القرآن قبلت، وإن فسروها بخلاف ذلك ردت.
وإما أن يمتنع عن موافقتهم في التكلم بهذه الألفاظ نفيا وإثباتا، فإن امتنع عن التكلم بها معهم فقد ينسونه إلى العجز والانقطاع، وإن تكلم بها معهم نسبوه إلى أنه أطلق تلك الألفاظ التي تحتمل حقا وباطلا، وأوهموا الجهال باصطلاحهم: أن إطلاق تلك الألفاظ يتناول المعاني الباطلة التي ينزه الله عنها، فحينئذ تختلف المصلحة، فإن كانوا في مقام دعوة الناس إلى قولهم وإلزامهم به أمكن أن يقال لهم: لا يجب على أحد أن يجيب داعيا إلا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما لم يثبت أن الرسول دعا الخلق إليه لم يكن على الناس إجابة من دعا إليه، ولا له دعوة الناس إلى ذلك، ولو قدر أن ذلك المعنى حق.
وهذه الطريق تكون أصلح إذا لبس ملبس منهم على ولاة الأمور، وأدخلوه في بدعتهم، كما فعلت
الجهمية بمن لبسوا عليه من الخلفاء حتى أدخلوه في بدعتهم من
القول بخلق القرآن وغير ذلك، فكان من أحسن مناظرتهم أن يقال: ائتونا بكتاب أو سنة حتى نجيبكم إلى ذلك، وإلا فلسنا نجيبكم إلى ما لم يدل عليه الكتاب والسنة.
وهذا لأن الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء، وإذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل، وهؤلاء المختلفون يدعي أحدهم: أن العقل أداه إلى علم ضروري ينازعه فيه الآخر، فلهذا لا يجوز أن يجعل الحاكم بين الأمة في موارد النزاع إلا الكتاب والسنة.
[ ص: 230 ]
وبهذا ناظر
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد الجهمية لما دعوه إلى المحنة، وصار يطالبهم بدلالة الكتاب والسنة على قولهم، فلما ذكروا حججهم كقوله تعالى
خالق كل شيء [الأنعام: 102]، وقوله:
ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث [الأنبياء: 2]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=658346«تجيء البقرة وآل عمران» وأمثال ذلك من الأحاديث، مع ما ذكروه من قوله صلى الله عليه وسلم:
«إن الله خلق الذكر». أجابهم عن هذه الحجج بما بين به أنها لا تدل على مطلوبهم.