الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما قالوا: ما تقول في القرآن: أهو الله أو غير الله؟ عارضهم بالعلم فقال: ما تقولون في العلم: أهو الله أو غير الله؟

ولما ناظره أبو عيسى محمد بن عيسى برغوث، وكان من أحذقهم بالكلام: ألزمه التجسيم، وأنه إذا أثبت لله كلاما غير مخلوق لزم أن يكون جسما.

فأجابه الإمام أحمد بأن هذا اللفظ لا يدرى مقصود المتكلم به، وليس له أصل في الكتاب والسنة والإجماع، فليس لأحد أن يلزم الناس أن ينطقوا به، ولا بمدلوله، وأخبره أني أقول: هو أحد، صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فبين أني لا أقول: هو جسم وليس بجسم، لأن كلا الأمرين بدعة محدثة في الإسلام، فليست هذه من الحجج الشرعية التي يجب على الناس إجابة من دعا إلى موجبها، فإن الناس إنما عليهم إجابة الرسول فيما دعاهم إليه، وإجابة من [ ص: 231 ] دعاهم إلى ما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لا إجابة من دعاهم إلى قول مبتدع، ومقصود المتكلم بها مجمل لا يعرف إلا بعد الاستفصال والاستفسار، فلا هي معروفة في الشرع، ولا معروفة بالعقل إن لم يستفسر المتكلم بها.

فهذه المناظرة ونحوها هي التي تصلح إذا كان المناظر داعيا.

وأما إذا كان المناظر معارضا للشرع بما يذكره، أو ممن لا يمكن أن يرد إلى الشريعة، مثل من لا يلتزم الإسلام ويدعو الناس إلى ما يزعمه من العقليات، أو ممن يدعي أن الشرع خاطب الجمهور، وأن المعقول الصريح يدل على باطن يخالف الشرع، ونحو ذلك، أو كان الرجل ممن عرضت له شبهة من كلام هؤلاء ـ فهؤلاء لا بد في مخاطبتهم من الكلام على المعاني التي يدعونها: إما بألفاظهم، وإما بألفاظ يوافقون على أنها تقوم مقام ألفاظهم.

وحينئذ فيقال لهم: الكلام إما أن يكون في الألفاظ، وإما أن يكون في المعاني، وإما أن يكون فيهما، فإن كان الكلام في المعاني المجردة من غير تقييد بلفظ، كما تسلكه المتفلسفة ونحوهم ممن لا يتقيد في أسماء الله وصفاته بالشرائع، بل يسميه علة وعاشقا ومعشوقا ونحو ذلك، فهؤلاء إن أمكن نقل معانيهم إلى العبارة الشرعية كان حسنا، وإن لم يمكن مخاطبتهم إلا بلغتهم، فبيان ضلالهم ودفع صيالهم عن الإسلام بلغتهم أولى من الإمساك عن ذلك لأجل مجرد اللفظ، كما لو جاء جيش كفار ولا يمكن دفع شرهم عن المسلمين إلا بلبس ثيابهم، فدفعهم بلبس ثيابهم خير من ترك الكفار يجولون في خلال الديار خوفا من التشبه بهم في الثياب.

التالي السابق


الخدمات العلمية