[ ص: 347 ] وعلى هذا فللناس في أن ما لا يسبق جنس الحوادث هل هو حادث؟ أقوال:
أحدها: أنه يجب أن يكون حادثا مطلقا.
والثاني: لا يجب أن يكون حادثا.
والثالث: أنه إن كان محتاجا إلى غيره وجب أن يكون حادثا، وإن كان غنيا عن غيره لم يجب أن يكون حادثا.
وأيضا
فإن ما لم يسبق حوادث نفسه لم يجب أن يكون حادثا، وإن لم يسبق حوادث غيره كان حادثا. وقد قرر هذا في موضع آخر.
ومن فهم ما ذكرناه، ونظر فيما صنفه الناس في هذا الباب من الاستدلال على حدوث الأجسام بأنها لا تخلو من الحوادث، وما لم يسبق الحوادث فهو حادث - تبين له تقصير كثير منهم في استيفاء مقدمات الدليل. ثم الذين استوفوا مقدماته يبقى الكلام معهم في صحة تلك المقدمة، وقد عرف منازعة أكثر أهل الملل، وأكثر
الفلاسفة، أو كثير من الطائفتين فيها وإبطالهم لها.
ولما كان هؤلاء وأمثالهم يدعون أن معرفة الله لا تحصل إلا بالمعقول، ويفسرون المعقول بمثل هذا الدليل الذي هو باطل، وغايته إذا قيل: إنه صحيح أنه لا يصل به إلى المطلوب إلا قليل من الناس بعد كلفة شديدة، ومخاطرة عظيمة، ويريدون أن يردوا بمثل هذا ما دل عليه الكتاب
[ ص: 348 ] والسنة، واتفق عليه سلف الأمة، بل ما علم بفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها، ودلت عليه العقليات الصريحة، قابلهم من قال: إن المعرفة لا تحصل إلا بالشرع. وهؤلاء في الغالب لا يريدون بذلك المعرفة الحاصلة لعموم الخلق من الكفار وغيرهم، فإن هذه عندهم فطرية ضرورية، أو مكتسبة بنوع من نظر العقل.
وقد تقدم كلام الناس في
أن أصل الإقرار بالصانع فطري ضروري، أو قد يكون ضروريا، خلافا لمن قال: إنه لا يحصل إلا بالنظر.