والحديث حجة عليهم من وجهين:
[ ص: 378 ]
أحدهما: أنه عند
المعتزلة ونحوهم من المتكلمين: لم يولد أحد على الإسلام أصلا، ولا جعل الله أحدا مسلما ولا كافرا، ولكن هذا أحدث لنفسه الكفر، وهذا أحدث لنفسه الإسلام، والله لم يفعل واحدا منهما عندهم، بلا نزاع بين
القدرية، ولكن هو دعاهما إلى الإسلام، وأزاح علتهما، وأعطاهما قدرة مماثلة فيهما تصلح للإيمان والكفر، ولم يختص المؤمن بسبب يقتضي حصول الإيمان، فإن ذلك عندهم غير مقدور، ولو كان مقدورا لكان ظلما، وهذا قول عامة
المعتزلة. وإن كان بعض متأخريهم
كأبي الحسين يقول: إنه خص المؤمن بداعي الإيمان، ويقول عند الداعي والقدرة يجب وجود الإيمان، فهذا في الحقيقة موافق
لأهل السنة، فهذا أحد الوجهين.
الثاني: أنهم يقولون: إن معرفة الله لا تحصل إلا بالنظر المشروط بالعقل، فيستحيل أن تكون المعرفة عندهم ضرورية، أو تكون من فعل الله تعالى.
وأما
آخر الحديث فهو دليل على أن الله تعالى يعلم ما يصيرون إليه بعد ولادتهم على الفطرة، هل يبقون عليها فيكونون مؤمنين؟ أو يغيرونها فيصيرون كفارا؟.
وإن احتجت
القدرية بقوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=688232« فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» من جهة كونه أضاف التغيير إلى الأبوين - فيقال لهم: أنتم
[ ص: 379 ] تقولون: إنه لا يقدر: لا الله ولا أحد من مخلوقاته، على أن يجعلهما يهوديين أو نصرانيين أو مجوسيين، بل هما فعلا بأنفسهما ذلك، بلا قدرة من غيرهما ولا فعل من غيرهما، فحينئذ لا حجة لكم في قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=688232« فأبواه يهودانه» ..
وأهل السنة متفقون على أن غير الله لا يقدر على جعل الهدى أو الضلال في قلب أحد. فقد اتفقت الأمة على أن المراد بذلك: دعوة الأبوين لهما إلى ذلك، وترغيبهما فيه، وتربيتهما عليه، ونحو ذلك مما يفعل المعلم والمربي مع من يعلمه ويربيه، وذكر الأبوين بناء على الغالب، إذ لكل طفل أبوان، وإلا فقد يقع ذلك من أحد الأبوين، وقد يقع من غير الأبوين حقيقة وحكما.