فالآيات الدالة على الرب تعالى: آياته القولية التي تكلم بها كالقرآن، [ ص: 534 ] وآياته الفعلية التي خلقها في الأنفس والآفاق، تدل عليه وتحصل بها التبصرة والذكرى، وإن كان الرب تعالى قد عرفته الفطرة قبل هذا، ثم حصل له نوع من الجهل أو الشك أو النسيان ونحو ذلك.
ومما ينبغي أن يعرف أن علم الإنسان بالشيء وتصوره له شيء، وعلمه بأنه عالم به شيء، وعلمه بأن علمه حصل بالطريق المعين شيء ثالث.
وكذلك إرادته وحبه شيء، وعلمه بأنه مريد محب له شيء، وكون الإرادة والمحبة حصلت بالطريق المعين شيء ثالث. فالمتوضئ والمصلي والصائم يحصل في قلبه نية ضرورية للفعل الاختياري، ولا يمكنه دفع ذلك عن نفسه، وإن لم يتكلم بالنية، ثم قد يظن أن النية إنما حصلت بتكلمه بها، وهو غالط في ذلك.
كذلك قد يحصل له علم ضروري بمخبر الأخبار المتواترة، ثم ينظر في دلالة الخبر، فيظن أن العلم الحاصل له لم يحصل إلا بالنظر، وهو قد كان قبل النظر عالما. وقد يقال: إن النظر وكد ذلك العلم أو أحضره في النفس بعد ذهول النفس عنه، وهذا مما يبين لك أن كثيرا من النظار يظنون أنهم لم يعرفوا الله بالطريق المعين من النظر الذي سلكوه، وقد يكون صحيحا، وقد يكون فاسدا. فإن كان فاسدا فهو لا يوجب العلم، وهم يظنون أن العلم إنما حصل به، وهم غالطون.
[ ص: 535 ]
بل العلم قد حصل بدونه، وإن كان صحيحا، فقد يكون مؤكدا للعلم ومحضرا له، ومبينا له، وإن كان العلم حاصلا بدونه.
هذه الأمور من تصورها حق التصور تبين له حقيقة الأمر في أصول العلم، وعلم أن من ظن أن الأمر الذي يعرفه عامة الخلق، وهو أجل المعارف عندهم، من حصره في طريق معين لا يعرفه إلا بعضهم كان جاهلا، لو كان ذلك الطريق صحيحا، فكيف إذا كان فاسدا!؟.
ومما يوضح الكلام في هذا الذكر المشروع لله هو كلام تام، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
nindex.php?page=hadith&LINKID=956826« أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» .
فأما مجرد ذكر الاسم المفرد، وهو قول القائل: (الله، الله) فلم تأت به الشريعة، وليس هو كلاما مفيدا، إذ الكلام المفيد أن يخبر عنه بإثبات شيء أو نفيه. وأما التصور المفرد فلا فائدة فيه، وإن كان ثابتا بأصل الفطرة، وإن كان المعلوم بالفطرة ما تدخل فيه أمور ثبوتية وسلبية.